80 عاماً على اتفاق ريبنتروب ـ مولوتوف

أضاف لأوكرانيا أراضي فى غرب البلاد.. فهل تنزع صيغة شتاينماير أراضي فى الشرق

516

الاتفاق.. لا يسمح لأوكرانيا بالسيطرة على حدودها الدولية مع روسيا قبل إجراء انتخابات فى الإقليمين المتمردين

     بقلم د. نبيل رشوان          

كان الممكن أن تمر الذكرى الثمانون على توقيع اتفاق ريبنتروب ـ مولوتوف، دون الإشارة إليه من قريب أو بعيد، غير أن الأحداث فى منطقة الاتحاد السوفيتى السابق، وخاصة النزاع الروسى ـ الأوكرانى، وظهور ما يعرف بصيغة شتاينماير، رئيس ألمانيا، إلى الوجود للتنفيذ وقبول الرئيس الأوكرانى زيلينسكى لهذه الصيغة من حيث المبدأ رغم اعتراض القوميين الأوكران عليها، جعل بعض المحللين يعودون إلى اتفاق عام 1939 أى ريبنتروب ـ مولوتوف، الذي تم توقيعه بين وزير خارجية الاتحاد السوفيتى فياتشسلاف مولوتوف، ويواكيم فون ريبنتروب وزير خارجية ألمانيا النازية.

كان من الممكن أن يمر الاتفاق دون مشاكل، إلا أن وجود بروتوكول سرى ملحق بالاتفاق هو الذى جعل منه وثيقة كان لها أثر بعيد امتد لفترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وحدد هذا البروتوكول السرى مناطق نفوذ ألمانيا والاتحاد السوفيتى فى شرق أوروبا حال قيام أى عمليات إعادة تقسيم جغرافى فى مناطق شرق أوروبا.

وأقر مجلس السوفيت الأعلى الاتفاق بعد أسبوع من توقيعه، وتم إخفاء البروتوكول الإضافى السرى عن أعضاء مجلس السوفيت الأعلى، ولم يتم إقراره ولم يصدق عليه مجلس السوفيت الأعلى.

بعد أسبوع واحد من توقيع الاتفاق وبالتحديد يوم 1 سبتمبر قامت ألمانيا بغزو بولندا، رغم أن الاتفاق فى نصوصه الصريحة المعلنة عبارة عن اتفاق عدم اعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتى.

القوات الألمانية حرصت على تنفيذ البروتوكول الإضافى السرى، الذى تم العثور عليه فى أرشيف المكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى فى منتصف التسعينيات، فلم تدخل القوات الألمانية إلى المناطق ذات الأغلبية البيلوروسية والأوكرانية فى شرق بولندا، ولم تدخل كذلك إلى جمهوريات البلطيق الثلاث: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وتركتها حيث دخلتها القوات السوفيتية معتمدة على قوى اليسار فى تلك المناطق.

وأعطى البروتوكول الإضافى السرى فنلندا كإحدى مناطق النفوذ السوفيتى، فاقتطع السوفيت جزءا من كاريليا القريبة من منطقة لينينجراد. ووفق تحليلات الدبلوماسيين الغربيين، فقد كسب الاتحاد السوفيتى من الاتفاق، عامين من الهدوء على حدودهم الغربية، حيث بدأ هتلر غزو الأراضى السوفيتية عام 1941، أما هتلر فقد كسب تأجيل الحرب على جبهتين لمدة عامين كذلك، حتى الهجوم على الاتحاد السوفيتى.

الاتفاق كان له تأثير كبير على مصير الاتحاد السوفيتى فيما بعد وعلى مصير العديد من الدول الصغيرة المجاورة للاتحاد السوفيتى وألمانيا، حصل الاتحاد السوفيتى على منطقة شرق نهر بيسا فى بولندا، ثم ضمها فيما بعد لأوكرانيا أو غرب أوكرانيا، كما سيطر كذلك على بريدنستروفيا فى مولدوفا، وإذا كانت بولندا تسعى لاستعادة أراضي غرب أوكرانيا بطرق تكاملية فإن بيسرابيا أو بريدنستروفيه مازالت منطقة محل نزاع بين روسيا من ناحية ورومانيا ومولدوفا من ناحية أخرى، وكما قال الرئيس بوتين عندما أثيرت موضوعات الأراضى التى سيطر عليها الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا أو التى انتزعت منهما، وفقاً لاتفاقيات أو نتيجة الحرب، فإننا سندخل فى حروب لا نهائية وأكد أنه من الأفضل بقاء الأوضاع والحدود الحالية كما هى.

وفى الوقت الراهن ظهر ما يعرف بصيغة شتاينماير، وهو وزير خارجية ألمانيا السابق ويشغل الآن منصب رئيس ألمانيا، صيغة شتاينماير، وتم اقتراحها عام 2016، كإحدى الأوراق العامة الخاصة بمفاوضات مينسك لتسوية الأزمة الأوكرانية.

وتعتبر صيغة شتاينماير، خطة تنفيذ لاتفاق مينسك الذى لم يتم تنفيذه منذ توقيعه عام 2016، فقد اقترح الجانب الألمانى إجراء انتخابات فى منطقة الدنباس، ولم تكتف صيغة وزير الخارجية الألمانى حينها بعملية إجراء انتخابات فى الدنباس وحسب، بل تطرقت إلى قضية مثيرة للجدل وهى ضرورة منح منطقة الدنباس ما أطلق عليه “وضع خاص” بعد إجراء الانتخابات فى دنيتسك ولوجانسك واعتراف مجلس الأمن والتعاون الأوروبى بنزاهة الانتخابات.

ورفضت أوكرانيا صيغة شتاينماير من حيث المبدأ لأنها على حد قولها تريد أولا السيطرة على الحدود حتى لا تمثل مقاطعتى دنيتسك ولوجانسك جيوب روسية ذات وضع خاص داخل أوكرانيا، أى أن كييف ترغب فى السيطرة على أجزاء الحدود التى تفصلها عن روسيا، كما ترغب كييف فى عملية لفصل القوات فى منطقتى بتروفو وزولتوفو، وتبادل للمساجين من الجانبين على أساس الجميع مقابل الجميع . لكن وفق وكالة انترفاكس الروسية، تصر كييف على إعطائها السيطرة الكاملة على جزء الحدود الذى يفصل بين المقاطعتين المتمردتين لوجانسك ودنيتسك وروسيا (الدنباس) أولا وقبل أى حديث عن أى شيء، كما تطلب كييف كذلك بنزع سلاح المقاتلين الإنفصاليين فى الدولتين غير المعترف بهما، وفقط بعد هذا يمكن إجراء انتخابات فى هذه المناطق.

فى صيغة شتاينماير ليس هناك أى ذكر لمسألة سيطرة أوكرانيا على حدودها مع روسيا، والنص على الوضع الخاص للدنباس فى الدستور الأوكرانى قبل إجراء الانتخابات.

كان الجميع ينتظر عقد اجتماع رباعية نورماندى لمناقشة المستجدات على جبهة الدنباس، وهو الاجتماع الذى كان من المفترض أن يجمع الرئيسين الروسى بوتين والأوكرانى زيلينسكى لأول مرة وجهاً لوجه، وكأن أوكرانيا كتب عليها أن تعانى من اتفاق ريبنتروب ـ مولوتوف فى الغرب ومن صيغة رئيس ألمانيا أو وزير خارجية ألمانيا السابق شتاينماير فى الشرق وفى كلتا الحالتين هناك تهديد لوضع حدودى وجغرافى هو قلق فى الأصل.

يسعى الرئيس الأوكرانى فى الوقت الحالى التمسك بأى حل أو اقتراح من الجانب الأوروبى، ويحاول إدخال تعديل عليه حتى لا يبدو وكأنه استسلام للرغبات الروسية، فى نفس الوقت أوروبا بدأت تمل من مسألة فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لأنها تخسر أيضاً اقتصادياً، لكن على ما يبدو هناك بعض الدول لم تمل بعد من فرض العقوبات على روسيا، ومنها المستشارة ميركل التى قالت إن تنفيذ صيغة شتاينماير لا يعنى رفع العقوبات عن روسيا، سنرى لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ورغم اختلاف الوجوه إلا أن ألمانيا شريك لكن هذه المرة بدون ستالين، وهذه المرة تحاول القيادة الأوكرانية مجرد الحفاظ على وحدة أراضى الدولة فقط وتبقى أمامها معركة القرم.

وأمام رفض أوكرانيا لصيغة شتاينماير، ليس هناك أى أمل لعقد اجتماع رباعية نورماندى، ومن ثم يخبو الأمل من جديد فى إيجاد حل للازمة الأوكرانية على الأقل فى منطقة الدنباس فى الوقت الحالى، أما القرم سيتطلب التفاوض بشانها سنوات طويلة، ولا أعتقد أن روسيا على استعداد لتقديم أى تنازل بهذا الخصوص، فهى أرض روسية حتى أول أمس. وأهم فى اعتقادى ما يمكن أن تسفر عنه رباعية هى لقاء بوتين وزيلينسكى وجهًا لوجه لأول مرة وهو ما يمكن ان يكون انفراجة فى الأزمة الأوكرانية.

التعليقات متوقفه