بين محمد رمضان ومهرجان المسرح

844

*محمود دوير

منذ ايام قليلة احتشدت صفحات التواصل الاجتماعى بهجوم عنيف على الفنان “محمد رمضان “عقب الحفل الذى اقامه فى الساحل الشمالى ووصل الامر الى الصحافة المصرية وتبارى النقاد فى تناول الحدث وبلغ الامر حد قيام محام بتقديم بلاغ ضد نقابة المهن الموسيقية يتهمها فيه بالمسؤلية عن اقامة هذا الحفل

ولا شك ان ما قام به “رمضان ” فى حفله امام عشرات الالف من جمهور ” الساحل ” لا يمكن اعتباره غناء باى درجة ولا حتى عملا استعراضيا لكنه خليط بين العبث والاستعراض او كما قال احد النقاد “سيرك “

ولما كانت مصر قد عرفت كل انواع الفنون سواء الراقى منها او ما دون ذلك الا ان الذائقة الجمعية كانت تنحاز الى الفنون الراقية والتى تقدم قيمة سواء فنية او فكرية

الا ان تلك الفنون – الغير راقية – قد عرفتها مصر منذ القرن التاسع عشر ونتذكر نماذج عديدة فقد غنت منيرة المهدية “ارخى الستارة اللى فى ريحنا لاحسن جيرانك تجرحنا ” ووغنى اخرون فى تلك الحقبة العديد من الاغنيات التى اثارت غضبا شعبيا واسعا

كما شهدت مصر فى منتصف السبعينبات موجه اغنيات شعبية خلقت سياقا فنيا متوازى مع التغييرات الاجتماعية والاقتصاية التى شهدتها مصر عقب الانفتاح الاقتصادى فكان من الضرورى ان يخلق هذا الانفتاح فنا يعبر عنه وعن رموزه فكان احمد عدوية وكتكوت الامير وغيرهما

ان الفن الذى قال عنه “مراه الشعوب ” يظل تعبيرا عن حالة اى مجتمع بدقة وبكل تنويعاته لكن الفارق الجوهرى اننا لم نعد نصدر عن انفسنا ما يجب ان نصدره فقد تواجد عبد الوهاب وعبد الحليم فى نفس زمن عدوية والان يتواجد الفن الجيد فى حين يتباهى محمد رمضان بملابسه الغريبه وحركاته البهلوانية

وفى المقابل فقد شهدت مصر منذ ايام ايضا افتتاح استثنائى للدورة الثانية عشر من مهرجان المسرح المصرى هذه الدورة التى تحمل اسم الراحل كرم مطاوع وقد احتشد رموز المسرح والسينما وقامات فيه عملاقة فى كرنفال يعبر عن مصر وعن قوتها الناعمة وحمل المهرجان الذى يتضمن 68 عرضا مسرحيا حمل رسائل شديدة الاهمية كان الاجدى ان تشغلنا اكثر مما شغلتنا حفل محمد رمضان وكان الاهم ان نصدر مشدا يتم تكريم فيه نجوم اضاءوا وجدان الوطن وعقله ولا نستهلك انفسنا فى تحليل ظاهرة محمد رمضان او اغانى المهرجانات بل العكس علينا ان ندع تلك الظاهر التى تعبر عن واقع اجتماعى واقتصادى وثقافى ردئ ونفتح الافق امام نماذج مثل التى احتفى بها مهرجان المسرح المصرى
فمصر التى كرمت اسماء محسنة توفيق وفاروق الفيشاوى ومحمود الجندى ومنحت التكريم لكل من على الحجار ويسرى الجندى ولطفى لبيب وسوسن بدر ويوسف شعبان وغيرهم

اضاءت قاعات المسرح المصرى على مدار 15 يوما بعروض شديدة الابهار والرقى لفرق مسرحية معظمها من الشباب وورش وندوات وحلقات نقاشية تثير الاعجاب وتؤكد الثقة فى قوتنا بخير لكنها تحتاج الى المزيد من الدعم والرعاية الرسمية وتحتاج مشروع ثقافى وطنى يحتفى بالثمين ويدرب ذائقة الناس على رفض الغث – رغم انه سيظل موجودا طوال التاريخ – الا اننا لن نتمكن ان نحاصره ونعزله سوى بذلك المشروع الثقافى الذى يعطى للتنوير مكانته ويمنح للمبدع الحقيقى قيمته وفرصتة فى التعبير والتحقق
قد ننشغل لعقود طويلة بتحليل ظواهر اغانى التوكتوك او حفلات الابهار الفارغة والمبتذله او سينما التيك اواى او دراما الاستخفاف بالمشاهد
لكن ذلك وحده لن يصنع واقعا افضل بينما خلق البديل الجاد هو الذى سينقذ شبابنا واجيالنا القادمة .. فلنبدا سويا الان وليس غدا

التعليقات متوقفه