تفاصيل زيارة مفتي ليبيا المعزول وابنه إلى طرابلس

537

*بقلم عبدالستار حتيتة:

تشير تحركات الصادق الغرياني، المفتي الليبي المفصول من العمل، إلى متغيرات في التركيبة السياسية والأمنية الليبية. والغرياني مصنف على لائحة الشخصيات الإرهابية التي أعلنتها عدة دول عربية قبل عامين. ليس هو فقط، بل هو والقناة التليفزيونية التي يبث منها فتاويه المحرضة على سفك الدماء، والتي يديرها نجله “سهيل” انطلاقا من تركيا.
كان المفتي المعزول يقيم في الدوحة. وانتقل إلى هناك خلال العامين الماضيين، بعد أن تمكن الجيش الوطني الليبي من هزيمة الإرهابيين في بنغازي وفي درنة وفي الجنوب. ضاقت به الأراضي الليبية، فاستضافته قطر. وأقام في قصورها الفخمة، واستمر من هناك يحرض الشباب الليبيين وغير الليبيين على الاستمرار في محاربة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
فجأة وصل الغرياني إلى طرابلس. كان ذلك قبيل يوم العيد. وكانت جيوش الإرهابيين تنتظر أن يؤم بها صلاة العيد في ساحة الشهداء التي كانت تعرف باسم الساحة الخضراء. وهي ساحة شهيرة كان القذافي يخطب فيها في الجماهير في أيامه الأخيرة.
ومن تركيا وصل في سهيل في التوقيت نفسه. ويتبنى الابن توجهات الأب. وهما عموما من أشد الكارهين للدولة الوطنية وللأمن والسلام. ولشهور طويلة ظل المفتي يستخدم من الدوحة القناة التي يديرها ابنه من تركيا، في التحريض على القتل والاحتراب وعلى الفوضى.
ليس الغرياني وابنه فقط من يقيمان في قطر وتركيا، ولكن يقيم معهما في هذين البلدين قادة لتنظيمات إرهابية من جنسيات عربية مختلفة، خاصة من ليبيا ومصر وسوريا وغيرها.
ما ترديه قطر ومعها تركيا من مثل هؤلاء أصبح مختلفا عن السابق. ويبدو أن الدوحة وأنقرة تتعرضان لضغوط من الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا. ولهذا توجد حركة قطرية تركية تهدف إلى فتح الطريق أمام قادة الإرهاب للعمل في بلادهم، أو العمل من أي مكان آخر بعيدا عن الدوحة وأنقرة.
وهناك أسباب كثيرة لهذا الأمر. فتركيا تبحث عن حلفاء من الدول الغربية من أجل مؤازرتها في ملف الصراع مع الأكراد في سوريا. وقطر تسعى لكسب ود دول غربية لمنع توجيه أي ضربات عسكرية لصديقتها إيران.
وعلى هذا جاء الغرياني وابنه، وقيادات أخرى، إلى ليبيا، مرغمين. فطرابلس تتعرض لضربات من الجيش الوطني الليبي من أجل طرد الجماعات المسلحة منها. والظروف اليوم أصبحت غير الظروف في الماضي.
أقام الغرياني وابنه في منزلهما في منطقة تاجوراء في شرق طرابلس. وبدأت الميليشيات في توفير الحماية لهما بتعليمات من قطر وتركيا. وتولى الحماية الميليشيا التي تسيطر على مديرية أمن تاجوراء. ومعها ميليشيا “رحبة تاجوراء”، وهي ميليشيا إرهابية خطرة. وكذلك شارك في التأمين ميليشيا الصمود التي يقودها صلاح بادي المطلوب دوليا بسبب نشاطه الإرهابي.
في البداية هبطت طائرة الغرياني في مطار مصراتة. ولمعرفة تركيبة القوى المصراتية المسلحة، خرج مع موكب الغرياني ميليشيا مصراتة متطرفة. وقامت بتوصيله إلى حي تاجوراء، وتسليمه لباقي ميليشيات الإرهابيين لحمايته، وتأمين دخوله يوم العيد إلى الساحة العامة لكي يؤم الطرابلسيين في صلاة العيد.
واستبشر بهذه الاستعدادات قيادات في المجلس الرئاسي وفي حكومة الوفاق، المدعومة دوليا، من بينهم القيادي المتطرف محمد العماري، نائب رئيس المجلس الرئاسي. لقد كان هذا الأخير يعتقد أنه ما زال من السهل الإقامة بجولات في طرابلس دون وجود خطر من قوات الجيش الوطني. وبناء عليه أخذ يقوم بترتيبات لجولة للغرياني في طرابلس بعد أن يؤدي صلاة العيد.
لكن أحوال طرابلس لم تعد كالسابق. ولم تعد سطوة الميليشيات والجماعات الإرهابية كما كانت عليه قبل اقتراب الجيش الوطني من العاصمة منذ أبريل الماضي. ومع ذلك تبدو هذه الحقيقة غائبة عن بعض قادة المجلس الرئاسي مثل العماري الذي كان متحمسا لتصوير الغرياني وهو يتجول في العاصمة.
الأجواء العامة في العاصمة في أيام العيد، كانت محتقنة. وتشبه أجواء القاهرة قبيل يوم 30 يونيو 2013، حين كشر المصريون عن أنيابهم ضد تنظيم جماعة الإخوان. وعلى هذا لم يتمكن الغرياني، ولا ابنه، مدير محطة تليفزيون التناصح، من الخروج بعيدا عن باب منزل العائلة في تاجوراء. ولم يتمكن أي منهما من أداء صلاة العيد في ساحة طرابلس، ولا القيام بجولة في العاصمة.
في الأيام التالية تبين أن الغرياني وابنه جاءا لهدف آخر، مرسوم لهما ممن يستضيفانهما في قطر وتركيا، وهو الضغط على المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، من أجل زيادة المخصصات المالية لدار الإفتاء وقناة التناصح الإرهابية. لقد حصلت دار الإفتاء غير الشرعية على ثمانية ملايين دولار خلال الشهور القليلة الماضية. لكن الغرياني جاء ليطلب المزيد.
كما طلب ابنه سهيل من حكومة الوفاق صرف مليون دينار له (حوالي 800 ألف دولار) تحت بند مصاريف دراسية له في بريطانيا. وتدخل والده لهذا الغرض. ومارس الاثنان ضغوطا على محافظ المصرف المركزي لكي يقوم بالصرف، بعد أن زعما أن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج موافق على هذا الأمر.
لم تكن هذه تصرفات الغرياني وابنه فقط، ولكنها كانت تصرفات كثير من القيادات الإرهابية التي تقيم في قطر وتركيا. يبدو أن كلا من الدوحة وأنقرة أصبح لديهما سياسة جديدة وهي أن تبحث القيادات المتطرفة التي تأويها عن طريقة لتمويل نفسها بنفسها، خوفا من المراقبة الدولية الخاصة بتحريك الأموال بين دعاة الإرهاب.

التعليقات متوقفه