منظومة الخبز الجديدة تثير الجدل.. استبدال الدعم العينى بالنقدى.. لا يخدم الفقراء

899

تحقيق: نجوى ابراهيم – علاء عصام

حالة من الجدل والترقب يشهدها المجتمع المصرى، بعد تصريحات د.”على المصيلحى” وزير التموين والتجارة الداخلية، بشأن تحويل دعم الخبز العينى إلى نقدى، وحديثه حول منظومة الخبز الجديدة التى تستعد الوزارة لتنفيذها خلال الفترة المقبلة.
اثارت هذه التصريحات غضب عدد من المواطنين، خوفًا من المساس بدعم الخبز وتقليصه، أو تطبيق ما حدث مع السلع التموينية حيث تم إعطاء دعم نقدى قيمته 50 جنيهًا لكل مواطن واجبارهم على شراء السلع بسعر السوق، خاصة أن سعر رغيف الخبز السياحى يصل الى جنيه وجنيه ونصف، وفى المخابز البلدية بدون البطاقة يباع بـ60 قرشًا، فى حين أن النظام الحالى يتم صرف 5 أرغفة لكل فرد أى 150 رغيفًا فى الشهر دون النظر لسعر الرغيف.
وكان وزير التموين والتجارة الداخلية د.”على المصيلحى”، أعلن مؤخرا خلال مشاركته فى اجتماع لجنة الشئون الاقتصادية، بمجلس النواب أن نظام الدعم العينى الحالي ليس على قدر كاف من الكفاءة، موضحا أن خطورة الدعم العينى تتمثل فى أن كفاءته ضعيفة، لأنه يقوم على دعم مدخلات وليس المنتج النهائى، ما يسبب مشكلة اقتصادية حقيقية، أما الدعم النقدي المشروط فهو يراعي معدلات التضخم لأن المواطن سيحصل على نقود.

ومن المقرّر أن يحصل المواطن فى المنظومة الجديدة على حصته الشهرية من دعم الخبز نقدًا كما فى منظومة السلع التموينية، على أن يكون للمواطن حرية الحصول على خبز أو سلع بإجمالي قيمة الدعم داخل البطاقة التموينية.
المنظومة الجديدة
وتقضى المنظومة الجديدة، بأنه إذا توجّه المواطن للحصول على خبز يُخصم منه سعر تكلفة رغيف الخبز من البطاقة التموينية يدفع المواطن 5 قروش للمخبز مقابل كل رغيف أو يحصل المواطن على سلع من منافذ التموين بقيمة الدعم، وهو ما تستهدفه الوزارة من التحوّل إلى الدعم النقدي بدلًا من دعم السلع.
كما ترددت أنباء بأن المنظومة الجديدة ستخفِّض حصة المواطن من الأرغفة إلى 3 أرغفة يوميًا بدلًا من خمسة، مقابل تحويل دعم الخبز إلى نقدي يحصل عليه المواطن شهريًا بعد زيادة قيمة دعم الخبز للمواطن وسعر تكلفة إنتاج الرغيف للمخابز، وهو الامر الذى نفته الوزارة فى بيان لها.
ومن وجهة نظر وزير التموين، إن الدعم النقدى المشروط مهم جدًا، للحفاظ على ثبات الأسعار، وقال الوزير فى تصريحات سابقة، “تلك المنظومة حال تطبيقها ستسهم فى تقليل الاستهلاك بنسبة 10%، بما يعادل مليون طن قمح”.
وإذا كانت الحكومة تصرخ من ارتفاع فاتورة الدعم وزيادة عبئها على الموزانة العامة للدولة، فإن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الدعم أصبح ضرورة للعديد من الفئات الاجتماعية فى المجتمع نتيجة السياسات الاقتصادية التى تتخذها الدولة، والتى أدت لارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة، فحول خط الفقر يعيش نحو ثلث السكان ما بين فقر مدقع.. وفقر، وحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن نسبة الفقر فى مصر بلغت 27.8%.
قضية الدعم
منذ الثمانينيات وقضية الدعم تشغل جميع الحكومات المتعاقبة.. ولم تنته المحاولات من أجل خفض الدعم تحت دعوى إعادة الهيكلة أوتحويل الدعم العيني إلى نقدي، وأخيرا بحجة وصول الدعم لمستحقيه.. ففى الوقت الذي كان فيه الدعم يغطي أكثر من 99% من الشعب المصري فى بداية الثمانينيات عندما كان عدد السكان 40 مليون مواطن – تراجع الدعم الآن واصبح يغطي 64 مليون مواطن هم المستفيدون من دعم البطاقات التموينية (وفقا لارقام وزارة التموين والتجارة الداخلية) و71 مليونًا من دعم الخبز، ووقتها كان هناك أكثر من 18 سلعة مدعومة بجانب السلع الاستهلاكية الاخري، ولكن مع مطلع التسعينيات تراجع الدعم واصبح مقصورا على الزيت والسكر والأرز والعيش فقط.
واليوم وبعد ثورتين قام بهما الشعب مازالت المحاولات مستمرة لخفض الدعم بدعوي ضمان وصول الدعم لمستحقيه.. ولذلك لجأت الحكومة المصرية فى يونيو عام 2014 إلى تطبيق ما اسمته المنظومة الجديدة لدعم السلع التموينية، وهى المنظومة التى أثارت حالة من الجدل عقب تطبيقها ورفضها عدد كبير من المواطنين مؤكدين أنها تسببت فى خفض حجم الدعم الحقيقى الذى يحصل عليه الفرد.
وكان النظام القديم يتضمن مقررات تموينية من أربع سلع أساسية (هي: الزيت و الأرز والسكر والشاي) يحصل عليها الفرد بأسعار محددة وثابتة منذ عام 2007. فمثلا الأسرة حتي أربعة أفراد، كانت تحصل شهريا للفرد على 2 كيلو سكر بسعر 125 قرشا للكيلو و2 كيلو أرز بسعر 150 قرشا للكيلو و1.5 كيلو زيت بسعر 3 جنيهات للكيلو وباكو شاي (50 جراما) بسعر 65 قرشا، وأي فرد زيادة عن الأربعة يحصل على كميات أساسية فقط: 1 كيلو سكر ونصف كيلو زيت وباكو شاي بنفس الأسعار.
اما طبقا للنظام الجديد فتتم اتاحة عدد من السلع يختار المواطن منها المواد التموينية التى يحتاجها، ويتم تخصيص50 جنيها قيمة دعم الفرد بدأت بـ 7 جنيهات للفرد، ويتم خصم سعرها من مقدار الدعم ويدفع صاحب البطاقة فارق السعر اذا اختار سلعًا تزيد عن مقدار الدعم المحدد، ويتم توزع السلع لدى بقالى التموين والمجمعات الاستهلاكية بنفس اسعارها لدى محلات البقالة والسوبر ماركت فسعر كيلو السكر المعبأ المحلى 9،5 جنيه بدلا من 1،5 جنيه وسعر كيلو الارز المعبأ 13و15جنيها بدلا من 1،5 جنيه اما زجاجة الزيت زنة 800 جرام وصل سعرها الى 14جنيها بدلا من 3 جنيهات فى النظام القديم.
فيما استمر دعم الحكومة لرغيف الخبز، الذي ظل سعره ثابتا عند 5 قروش منذ عام 1989 وحتى اليوم، رغم ارتفاع تكلفته الفعلية إلى نحو60 قرشا.
وكان الخبراء قد حذروا من خطورة تحويل الدعم العيني إلى نقدي، لعدة أسباب، منها عجز الحكومة عن السيطرة على الأسعار فى حالة تطبيق الدعم النقدي الذي سوف يزيد من أرباح التجار والمحتكرين دون تحسن ملموس لمستوي معيشة الفقراء، فضلا عن صعوبة الوصول إلى مستحقي الدعم.
قاعدة بيانات
وعارض د. جودة عبدالخالق، وزير التضامن السابق واستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، منذ سنوات طويلة الاتجاه لإلغاء الدعم العيني وتحويله إلى دعم نقدي، مؤكدًا أنه فى ظل عجز الحكومة عن السيطرة على الاسعار فإن الدعم النقدى غير مجد، مشيرا إلى أن هذا الدعم سيتجه إلى جيوب التجار والمحتكرين فى السوق دون أن يؤدى ذلك الى تحسن فى مستوى حياة الفقراء.
واوضح، أن البديل النقدي يمكن أن يكون مناسبا اذا توافرت عدة شروط منها أولا: أن يكون هناك امكانية لضبط الأسعار وان قيمة الدعم المخصص للفرد لا تتآكل بمرور الوقت، وتابع ان هذا الامر مستحيل لان معدلات التضخم المعلنة 13% فى حين انه يصل الى نحو 20% وهذا يعنى أن القيمة التى يحصل عليها الفرد سوف تقل السنة القادمة.
وتابع: الامر الثانى هو توافر قاعدة بيانات تعرفنا من المستحقين للدعم النقدى.. وهذا الامر ايضا غير متوافر بسبب تضارب الارقام والاحصائيات فى مصر، وبالتالى فإن الدعم النقدى غير ممكن عمليا لاستحالة توصيل الدعم إلى الفئات المحتاجة نظرا لضعف قاعدة البيانات والمعلومات عن الاسر الفقيرة فى مصر.
إلا رغيف الخبز
وتعليقًا على منظومة الخبز الجديدة، قال د.”رشاد عبده “ الخبير الاقتصادى”، إلا رغيف الخبز، ولقمة العيش، موضحا أن الوزير يقوم بحذف مواطنين من دعم البطاقات ويضع شروطا غير عادلة بدعوى ايصال الدعم للمستحقين والناس الغلابة لم تعترض، ولكن عندما يصل الامر الى لقمة العيش، ويصبح الفقير الغلبان غير قادر على شراء رغيف الخبز لسد جوعه فالوزير يحرض على “ثورة جياع” قادمة.
وتابع الجوع كافر.. وحرمان الغلابه منه سوف يؤدى الى انتشار جرائم القتل من اجل الحصول على لقمة العيش.. مؤكدا ان بقاء الدعم العينى للخبز هو الكرامة الوحيدة الباقية للمواطن. واشار الى انه ليس من انصار الدعم النقدى، خاصة فى ظل فشل الحكومة فى الرقابة على الاسواق وعدم قدرتها على التصدى لارتفاع الاسعار، مشيرا الى ان التحول الى الدعم النقدى مع ارتفاع اسعار السلع والخدمات المستمر جعل المواطن فى النهاية لا يحصل على اى دعم.
واكد ان الدعم العينى للخبز يضمن للمواطن الحصول على رغيف الخبز، اما فى حال تطبيق الدعم النقدى فلن يستطيع شراءه لان سعره سيصل الى جنيهين او اكثر، فالرجل الغلبان كيف يستطيع شراء الخبز هو واسرته، خاصة اذا كان لديه خمسة او ستة اطفال ؟!، مؤكدا ان ما حدث مع السلع التموينية سيحصل مع الخبز بمجرد اقرار مبلغ معين للمواطن، فسيقوم اصحاب المخابز برفع سعر رغيف الخبز.
حماية للفقراء
قال محمود العسقلاني، امين اعلام الحزب الناصري ومؤسس جمعية “مواطنون ضد الغلاء”، إن الدعم العيني اكثر حماية للفقراء من الدعم النقدي، خاصة أن الاخير يصبح بلا اي قيمة اذا ارتفعت الاسعار، لافتا الى ان وزير التموين والحكومة من الواجب ان يبحثا عن التنمية الصناعية وزيادة فرص العمل مما يساهم فى رفع مستوى المواطنين وعدم احتياجهم لأي شكل من اشكال الدعم.
واضاف العسقلاني، ان وزير التموين على المصيلحي يبحث عن القضاء على الفساد عن طريق الدعم النقدي ووصول الدعم لمستحقيه، لافتا الى ان الازمة ليست فى طريقة توزيع الدعم، بل فى عدم قدرة الحكم فى تحديد من هم الذين يستحقون الدعم. واكد القيادي بالحزب الناصري، ضرورة تطوير وتحديث قاعدة بيانات المستحقين للدعم، مشيدا بقيام وزير التموين بحذف اصحاب السيارات الفارهة من منظومة التموين، وتابع قائلاً: “هؤلاء كانوا يحملون خزينة الدولة اموالا طائلة بدون وجه حق”.
زيادة قيمة الدعم
قال الدكتور فرج عبدالفتاح، الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي بحزب التجمع، إن الحديث عن تحويل الدعم العيني لنقدي لن ينجح بدون عمل قاعدة بيانات دقيقة لمن يستحقون الدعم، لافتا الى ان وزارة التموين تعانى منذ سنوات بسبب غياب قاعدة البيانات وعليهم ان يحددوا من هم الفقراء الذين يستحقون الدعم النقدي؟.
واضاف عبدالفتاح، ان ازمة الدعم النقدي تتمثل فى ان قيمة النقود تقل والاسعار ترتفع ولن يستطيع المواطن فى المستقبل ان يستفيد بشكل حقيقي بقيمة الدعم، مؤكدا انه يوافق على الدعم النقدي بشروط منها “ضمان زيادة قيمة هذا الدعم اذا ارتفعت الاسعار والعمل على خطة طموحة لتنمية مصر صناعيا وزراعيا حتي لا نحتاج للدعم فى المستقبل ويكون لدى الدولة موارد مالية تساعدها فى الانفاق على التعليم والصحة”. واشار، الى ان الدعم النقدي يقلل من فاتورة الفساد ولكن تطبيقه دون وضع معايير واضحة لن يكون مجديًا وسيؤثر بالسلب على الفقراء.
تقليل الإنفاق
اما د.”شريف الدمرداش” الخبير الاقتصادى، فأوضح أن الدولة عاجزة عن ايجاد موارد لسد عجز الموازنة لذلك تتجه لتخفيض الدعم من أجل تقليل الانفاق، فحسب الارقام المعلن عنها أن تكلفة رغيف الخبز 60 قرشًا والدولة تدعم الرغيف بنحو 55 قرشًا، وفى حالة تطبيق المنظومة الجديدة، وخفض حصة المواطن من 5 أرغفة الى3 أرغفة كما هو متوقع فى الفترة المقبلة، بالتالى سيتم توفير نحو 110 قروش فى حصة كل شخص يوميًا اى توفير نحو أكثر من 22 مليون جنيه شهريًا اى 260 مليون فى السنة الواحدة، وبالتالى فالوزير يهدف الى تقليل الدعم سواء بتقليص حصة المواطن، او حذف المستفيدين بدعوى انهم غير مستحقين للدعم.. واشار، الى أن الفكرة الان ليست فى التحول من الدعم العينى الى نقدى بقدر ما هى تقليل قيمة الدعم المنصرفة، وتابع أن الحديث يدور عن الترشيد ولكن الحقيقة هى تقليل الانفاق، وبالتالى فإن التحول الى الدعم النقدى فى التوقيت الحالى حق يراد به باطل.
الدور الاجتماعى
واشار “هانى الحسينى” الخبير الاقتصادى والقيادى بحزب التجمع، إلى أنه ليس من انصار التحول الى الدعم النقدى لانه مبرر من الحكومة يهدف الى تخلى الدولة عن دورها الاجتماعى تجاه الفقراء، فالهدف من الدعم هو إحداث نوع من التوازن بين الاجور والاسعار، والدعم النقدى لن يقوم بهذا التوازن خاصة فى مجتمعنا لان الاجور لا تتناسب نهائيا مع الاسعار، وبالتالى فإن استمرار الدعم العينى أفضل، لاننا مجتمع كبير وحجم الاستهلاك خاصة للطبقات الشعبية كبير، أما الحديث عن تسرب الخبز واستخدامه كعلف، فهذه الامور يمكن السيطرة عليها فى ظل وجود رقابة حقيقية.
خسائر الدعم
ومن جانبه، قال عصام الفقى، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن الهدف من التحول للدعم النقدي هو تقليل المراحل التى تمر عليها مخصصات الدعم من شراء سلع وتوريدات وتوزيع السلع سواء كان خبزًا أو سلعًا غذائية كالزيت والسكر والأرز والدقيق، وهو ما كانت تُعول عليه الحكومة للحد من مشاكل طوابير التموين وتعطل نظام التشغيل أو “السيستم” كما بات يُطلق عليه بين عموم المصريين. وقدر النائب عصام الفقى، الخسائر التى تلحق مخصصات الدعم السنوية لوزارة التموين لصرف السلع بأنها لا تقل عن 10% إلى15% وهو ما يُعد خسارة كبيرة بالإضافة إلى حلقات المستفيدين من هذه المخصصات سنويًا من حلقات الوصل بين الحكومة ومحدودى الدخل، مشيرًا، إلى أن المواطن محدود الدخل يخسر سنويًا ما لا يقل عن 5 مليارات جنيه بسبب ما يتم هدره من أموال الدعم الخاص بالسلع التموينية فقط، لافتًا إلى أنها جميعًا أرقام تقريبية وليست نهائية.

التعليقات متوقفه