«الأهالى» تعاهدك على السير لليسار در.. هكذا تحولت المظاهرات السلمية فى انتفاضة يناير إلى العنف

303

كتب “عبدالرحمن الجبرتي” فى كتابه “ عجائب الآثار فى التراجم والاخبار” يصف ثورة القاهرة الاولي ضد الفرنسيين قائلا:
“وفى يوم السبت عاشر جمادي الاولي، عملوا الديوان واحضروا قائمة مقررات الاملاك والعقار فجعلوا على الاعلي ثمانية فرانسه والاوسط ستة والادني ثلاثة.. ولما اشيع ذلك بين الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك.. فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم، ولا قائد يقودهم، واصبحوا يوم الاحد متحزبين، وعلي الجهاد عازمين، وابرزوا ما كانوا اخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاح، وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية، وزعر الحارات البرانية، ولهم صياح عظيم وهول جسيم، ويقولون بصياح فى الكلام” نصر الله دين الاسلام.

فذهبوا الي بيت قاضي العسكر، وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم نحو الالف والاكثر، فخاف القاضي العاقبة، واغلق أبوابه وأوقف حجابه، فرجموه بالحجارة والطوب، وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب. وكذلك اجتمع بالازهر العالم الاكبر. وفى ذلك الوقت حضر (دبوي) بطائقة من فرسانه وعساكره وشجعانه، فمر بشارع الغورية، وعطف على خط الصنادقية، وذهب الي بيت القاضي فوجد ذلك الزحام، وخرج من بين القطرين وباب الزهومة، وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة، فبادروا اليه وضربوه، واثخنوا جراحاته، وقتل الكثير من فرسانه، وابطاله وشجعانه، فعند ذلك اخذ المسلمون حذرهم، وخرجوا يهرعون، ومن كل حدب ينسلون، ومسكوا الأطراف الدائرة بمعظم اخطاط القاهرة.. وهدموا مصاطب الحوانيت، وجعلوا أحجارها متاريس للكرنكة، لتعوق هجوم العدو فى وقت المعركة، ووقف دون كل متراس، جمع عظيم من الناس”.
هذه الصورة من ثورة القاهرة الاولي، نموذج لانتفاضات المصريين عندما يفيض بهم الكيل ويضيق بهم الحال. وهي صورة تكررت كثيرا عبر تاريخ الشعب المصري الصبور.
وفى 18 يناير 1977، كان المسرح مهيئا لأحداث مشابهة، فاجأت الحكومة الناس ومجلس الشعب بقرارات رفع الأسعار. وبدأ تطبيق الزيادة الجديدة يوم 17 مساء، وقبل أن ينتهي الوزراء من القاء بياناتهم أمام مجلس الشعب. نام الناس ليلة 18 يناير ،أغلبهم ما بين مصدق ومكذب. وجاءت صحف الصباح بالخبر اليقين اشعلت حكومة ممدوح سالم النار فى الهشيم، واطلقت موجات الغضب فى كل مصر.
كانت البداية من حلوان. بين عمال القطاع العام، قوة الخلق الجديدة التي ولدت مع ثورة يوليو (الناصرية) وقرارات التحول الاجتماعي عام 1961 وطرح الاشتراكية كهدف للمجتمع المصري.
يقول تقرير اللواء أحمد رشدي مدير أمن القاهرة، والمرفوع للسيد المستشار إبراهيم القليوبي (النائب العام) بتاريخ أول فبراير 1977.
“بدأت أحداث الشغب بمدينة القاهرة صباح يوم الثلاثاء 18 ينلاير 1977 فى حوالي الساعة 8.30 صباحا، بخروج عمال شركة مصر/ حلوان للغزل والنسيج بتحريض العاملين بالشركة، فى مظاهرات اخذت تطوف بمنطقة حلوان مرددة هتافات عدائية ضد سياسة الحكومة وقرارات رفع الأسعار والقيادة السياسية. ونجح المتظاهرون فى إخراج بعض عمال المصانع الأخري الكائنة بالمنطقة”.
وتضيف جريدة الأهرام الحكومية “وتصدت لهم قوات الأمن المركزي عند طره حيث اوقفتها.. وتوقفت وسائل المواصلات بين حلوان والقاهرة، بسبب قطع الحجارة الضخمة التي تناثرت على الطريق”.
ويواصل مدير أمن القاهرة وصفه للأحداث فى تقريره للنائب العام فيقول:
“تم عزل منطقة حلوان عن باقي أنحاء المدينة. ولكن أمكن لبعض المتظاهرين التسلل الي وسط المدينة. وفى حوالي الساعة 1.30 بدأت مظاهرة من كلية الهندسة جامعة عين شمس قوامها حوالي 300 طالب من الدارسين بتلك الجامعة. واخذت مسارها من شارع الجيش متجهة الي مجلس الشعب. وانضم اليهم عدد من العمال الذين تمكنوا من التسلل من منطقة حلوان. وبلغ عدد المتظاهرين امام مجلس الشعب فى الساعة 4.30 ، حوالي 200 يرددون الهتافات العدائية السابقة الإشارة اليها”.
ويضيف الأهرام “حاولت قوات الأمن المركزي تفريقهم فرفضوا، فاستخدمت القنابل المسيلة للدموع، الا ان المتظاهرين عادوا للتجمع فى ميدان التحرير ومنه الي شارع سليمان، حيث احدثوا تلفيات بواجهات بعض المحلات التجارية.
واتجهت مظاهرة اخري الي ميدان العتبة.. وجرت محاولة اشعال النار فى مبني قسم الشرطة بالموسكي، وقسم السيدة زينب والدرب الاحمر. ومحاولة اقتحام مبني مديرية امن القاهرة بباب الخلق. وقذف قسم الساحل بشبرا بالحجارة واطلقت النار”.
وتقول روزاليوسف “فى مجلس الشعب كان الدكتور على السيد وكيل المجلس موجودا عندما وصلت مظاهرة ضخمة من الطلبة : طلب مقابلة وفد منها ومناقشته. اختار الطلبة عشرين ممثلا لهم. سمح بدخولهم وبينما هم فى الداخل حدث اشتباك بين المتظاهرين وقوات الامن المركزي.
وفى ميداني عرابي وطلعت حرب رفع المتظاهرون علم مصر وناقشوا رجال الأمن حول الأسعار لكسبهم إلى صف المتظاهرين.
كانت هتافات المتظاهرين تدور حول سياسة الحكومة المعادية للجماهير الشعبية ويطالبون باستقالتها..
مش كفاية لبسنا الخيش
جايين ياخدوا رغيف العيش
– يا حكومة الوسط وهز الوسط
كيلو اللحمة بقي بالقسط
– يا حرامية الانفتاح
الشعب جعان.. مش مرتاح
– يشربوا ويسكي وياكلوا فراخ
والشعب من الجوع اهو داخ
– الصهيوني فوق ترابي
والمباحث على بابي
يا امريكا لمي فلوسك
بكره الشعب العربي يدوسك
احنا الطلبة مع العمال
ضد تحالف راس المال
احنا الشعب مع العمال
ضد حكومة الاستغلال
عبد الناصر ياما قال خلوا بالكو من العمال
بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض
سيد مرعي.. ده يبقي مين يبقي حرامي الفلاحين
لم كلابك يا ممدوح دم اخواننا.. مش حيروح
يا أهالينا.. يا أهالينا أدي مطالبنا.. وأدي أمانينا
اول مطلب يا شباب حق تعدد الاحزاب
تاني مطلب يا جماهير
حق النشر والتعبير
تالت مطلب يا أحرار
ربط الأجر بالأسعار
يا حاكمنا من عابدين باسم الحق وباسم الدين
فين الحق وفين الدين؟
هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة فى أوضه
يا حاكمنا بالمباحث كل الشعب بظلمك حاسس
قولوا للنايم فى عابدين العمال بيباتوا جعانين ظلت المظاهرات حتي مساء ذلك اليوم 18 يناير سلمية.. ولكن فجأة وفى حوالي السابعة مساء وبعد الصدام المتكرر مع قوات الامن المركزي، اتجهت الحوادث فى بعض المواقع الي العنف والتخريب.
يقول تقرير اللواء احمد رشدي فى وصفه لتطور المظاهرة المتجمعة امام مجلس الشعب:
“تصدت لهم قوات الامن المركزي وامكن تفريقهم.. الا انهم تفرقوا فى مظاهرات فرعية تسللت الي صفوفها شراذم من الغوغاء وضعاف النفوس والمخربين، اخذت كل منها تجوب منطقة وسط المدينة، حيث قام بعض المتظاهرين باتلاف العديد من المنشآت العامة والخاصة ووسائل المواصلات العامة والنقل والسيارات الخاصة، واقسام الشرطة وسياراتها، وبعض المحلات التجارية الخاصة والعامة والفنادق، كما اشعلوا النيران فى بعض المباني والمؤسسات الصحفية”.
وتقدم روزاليوسف وصف شاهد عيان لما حدث فى ميدان العتبة الخضراء:
“كان الطلبة يحيطون مظاهرتهم بنطاق من الحبال حتي لا ينضم اليهم احد من خارجهم. وفجأة اطلق احد امناء الشرطة عيارا ناريا. وفى الهرج الذي احدثه اطلاق العيار اختفى السياج. واقتحمت مجموعات التخريب التي بدأت تظهر بعد السابعة مسلحة بالأجنات والكيروسين وكرات القطن، مبني قسم الموسكي”.
وفى نفس الوقت تقريبا وطبقا لتقرير السيد مدير أمن الجيزة “عبرت مجموعات من المواطنين كوبري التحرير قادمة من القاهرة الي ميدان كوبري الجلاء بالجيزة، وقدر عددها بحوالي 150 شخصا تقريبا، وتبين انهم كانوا يشتركون فى مظاهرة بميدان التحرير بالقاهرة. وقام هؤلاء بقذف الحجارة على فندق شيراتون، وفى حوالي الساعة 8.30 مساء خرج بعض الطلبة المقيمين بالمدينة الجامعية بشارع احمد عرابي بامبابة، وتجمع حولهم بعض المارة والاهالي بالمنطقة بميدان الكيت كات، واخذوا فى قذف السيارات المارة والموجودة بالميدان بالحجارة.. وقذفوا مكتب بريد امبابة بشارع السودان. ووضع بعضهم بعض مواسير المجاري التي كانت موضوعة باستطالة الجزيرة الوسطي بشارع ترعة الساحل بعرض الطريق لاعاقة المرور، وتم تصدي قوات الامن لهذه التجمعات والسيطرة على الحالة حوالي الساعة الواحدة صباح يوم 19 يناير. وضبط شخصان من المتظاهرين.
وفى الاسكندرية وطبقا لبيان النائب العام، وبيان وزارة الداخلية.. اجتاحت مدينة الاسكندرية منذ حوالي التاسعة صباح يوم 18 يناير مظاهرات بدأت بعمال شركة الترسانة البحرية، وانضم اليهم عمال الشركات المجاورة، واتخذت هذه المظاهرة طريقها الي داخل المدينة، متجهة الي مقر الاتحاد الاشتراكي بالمنشية، لمناقشة قرار رفع الاسعار، ويردد افرادها الهتافات المثيرة ويعتدون على قوات الشرطة والامن بالحجارة. واخذوا يطوفون بشوارع المدينة، ثم توجهوا الي منطقة الكليات الجامعية، حيث انضم اليهم عدد من الطلبة.
وتقول الاهرام “اصيب خلال هذه المظاهرات بالاسكندرية 132 بالاعيرة النارية وتم اقتحام نقاط البوليس، وحرق سينما اوديون، ومبني الشركة العربية للشحن والتفريغ، ومبني الاتحاد الاشتراكي، ومجمع الخضر والفاكهة بشارع ابراهيم الشريف.، وتحطيم واجهات عدد من المحلات التجارية، ونهب الامتعة والفضيات والاثاث الخاص باستراحة السيد نائب رئيس الجمهورية.
فى صباح يوم 19 يناير اكدت وزارة الداخلية ان الامور عادت لطبيعتها وانها وضعت يدها على القوي المحركة لهذه الاحداث.. “وتأكد لاجهزة الامن ان العناصر الشيوعية التي تعمل فى اطار شيوعي منظم، وبعض العناصر من الذين يسمون انفسهم بالناصريين تصر على تصعيد الموقف واحداث حالة من الفوضي لتنفيذ مخططها”.
سبق هذا البيان محضر حرره العقيد منير محيسن بادارة مباحث امن الدولة فرع القاهرة فى الساعة الواحدة فجر يوم 19، قال فيه: “بالنسبة لاحداث الشغب والمظاهرات التي حدثت بالمدينة صباح امس 18 الجاري ثبت من التحريات والمعلومات المتوافرة لدي الفرع ان المتزعمين والمحركين لتلك الاحداث من العناصر الماركسية ومدعي الناصرية”.
وأورد قائمة من 44 شخصا، تضم اسماء عدد من الطلاب الناصريين والماركسيين، بكليات الهندسة والتربية والحقوق بجامعة عين شمس، وبعض الخريجين من هذه الجامعة المعروفين باتجاههم الناصري “احمد الجمال، حمدي ياسين” واربعين صحفيين هم “صلاح عيسي وحسين عبد الرازق وفيليب جلاب ويوسف صبري” وعدد من العمال والموظفين.
حصل العقيد منير محيسن فى الساعة 3.45 على اذن تليفوني بالقبض على اصحاب هذه الاسماء من رئيس نيابة امن الدولة.
وبدأ زوار الفجر فى تنفيذ اذن القبض الشفوي. واثناء التنفيذ قرروا ان يضيفوا من عندهم اسماء اخري مثل “محمد سلماوي الصحفى بالاهرام، ومحمد عواد وفاطمة السعدني من قيادات منظمة الشباب بالقاهرة، وسيد غريب”.
والغريب انه لم يقبض على أي من هؤلاء اثناء الاحداث، او يقدم عند طلب القبض عليهم اي دليل على تواجدهم خلالها فى اماكن الاحداث.
وتلقت نيابة امن الدولة فى الساعة الرابعة فجر نفس اليوم محضر تحريات جديد من العقيد امين اسماعيل بمباحث امن الدولة يشمل اسماء 60 شخصا اغلبهم من طلاب الجامعات يتهمهم بالانضمام الي منظمة سرية تحمل اسم حزب العمال الشيوعي. فصدر الاذن بالقبض عليهم وتفتيشهم، وتم القبض بالفعل على 18 شخصا منهم.
ومرة اخري لم يكن اي منهم ضمن الذين قبض عليهم فى المظاهرات.
وهكذا قبضت مباحث امن الدولة ونيابتها على من اسمتهم بالمتزعمين والمحركين لاحداث 18 يناير، وعلي قيادات ما سمي بحزب العمال الشيوعي.. واستراحت.
اكتفت الدولة بهذا التفسير البوليسي للاحداث. وبالقبض على عدد من المعارضين لسياساتها، وباغلاق المدارس والجامعات، وتجاهلت السبب الحقيقي والمباشر للاحداث.
وجاء بيان وزارة الداخلية ليستفز المواطنين العاديين الذين عبروا عن رفضهم لقرارات 17 يناير. فاذا بالحكومة تصنفهم ما بين شيوعي او مدعي ناصرية، وتتجاهل تماما مطالبهم، وتسايرها صحفها الثلاث التي خرجت يوم 19 بعناوين مثيرة مثل “الشيوعيون وحزب اليسار وراء عمليات التخريب” وتنشر جريدة الاخبار برقية حزب التجمع الي تشكيلاته فى المحافظات على طريقة “لا تقربوا الصلاة”.
وكان حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، هو القوة السياسية الوحيدة التي حددت موقفا من هذه القرارات صباح يوم 18 يناير. فارسلت لجنة المتابعة بسكرتارية الحزب العامة برقية عن طريق جهاز التلكس الخاص بالاتحاد الاشتراكي العربي تقول:“من حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.. الي مقرري المحافظات ومسئولي العمل الجماهيري (جميع المحفاظات) بمناسبة عرض الميزانية على مجلس الشعب والقرارات الاخيرة يرجي تنفيذ الاتي:
1- ارسال تقارير سريعة عن رد فعل الجماهير للقرارات الاقتصادية الاخيرة.
2- التركيز فى شرح وجهة نظر التجمع على ما يلي:
أ- ان هذه القرارات والتي اتخذت بحجة علاج الازمة الاقتصادية وسد العجز لا تحقق اي علاج لهذه المشكلة.
ب- ان هذه القرارات من الناحية الاجتماعية تعكس انحيازا واضحا للطلبات الغنية والقادرة. فبينما تحمل الطبقات الشعبية باعباء فورية، تكتفى الحكومة بالوعد واتخاذ الاجراءات لتحميل الطبقات القادرة جزءا من الاعباء.
ج- تحديد مطالبنا الاولية فى الاتصال باعضاء مجلس الشعب من كافة الاحزاب والمستقلين لمطالبتهم برفض هذه السياسة، وبصفة خاصة الغاء رفع اسعار السلع الشعبية، (وتنظيم حركة الجماهير الشرعية فى هذا الاتجاه).
3- سيصدر التجمع بيانا تفصيليا يوم الخميس 20-1-1977.
سكرتير العمل الجماهيري
“وقد حذفت الفقرة التي تقول (تنظيم حركة الجماهير الشرعية فى هذا الاتجاه) وهي قصة يأتي تفصيلها فى فصل قادم”.
واصدر الاتحاد العام بيانا قال فيه:
“عقد مجلس ادارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورؤساء النقابات العامة العمالية اجتماعا طارئا مساء اليوم 18 يناير 1977 بمقر الاتحاد العام بالقاهرة، وذلك لمناقشة القرارات الحكومية الصادرة بشأن تقرير اسعار جديدة لعدد من السلع وزيادة رسوم الانتاج على عدد اخر منها واخضاع سلع جديدة لرسوم الانتاج والاستهلاك.
وبعد اجراء المناقشات وتبادل الآراء وتحليل الآثار الخطيرة التي تنجم عن تطبيق قرارات زيادة الاسعار، وخاصة بالنسبة للطبقة العاملة وجماهير شعبنا الكادحة وما تتحمله من معاناة.. فان الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، يري ان اصدار هذه القرارات يعتبر تحديا لمشاعر الجماهير ويشكل تجاهلا خطيرا للحركة النقابية المصرية ومصادرة لرأيها الذي كفلها لها قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 فى المادة السابعة عشرة منه والتي تعطي الاتحاد العام باعتباره قيادة الحركة النقابية المصرية الحق فى ابداء الرأي فى مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بتنظيم شئون العمل والعمال وفى مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة وفى الدفاع عن حقوق عمال مصر ورعاية مصالحهم المشتركة.
ان قرارات زيادة الاسعار تعتبر فى حقيقتها نسفا لمطالب النقابات العمالية المصرية التي جسدتها قرارات مؤتمر الاتحاد للاجور والاسعار المنعقد فى اواخر ديسمبر 1976 الذي وضع منهجا علميا لمشاكل سياسات الاجور والاسعار وفى مقدمتها زيادة الاجور وتجميد اسعار السلع وزيادة حد الاعفاء الضريبي.
إن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يؤكد ان اصدار القرارات والقوانين واللوائح التي تتصل بمصالح جماهيرنا الكادحة من قريب او بعيد لم يعد مقبولا ان يكون مجرد وحي خاطر أو وليد فكر عابر، بل إن الصالح العامي ستلزم بالضرورة ان تصدر هذه القرارات والقوانين بناء على دراسات علمية متعمقة تأخذ فى اعتبارها ما يكون لها من آثار ونتائج على حياة جماهيرنا.
ولذلك فإن الاتحاد العام يرفض بكل حسم قرارات زيادة الاسعار شكلا وموضوعا، ويطالب بالغائها.
ويقرر الاتحاد العام الالتقاء فورا بالسيد رئيس الجمهورية ليضع بين يديه الامر كله، وليأمر بالغاء هذه القرارات التي تعتبرها جماهيرنا الكادحة عبئا فادحا جديدا.
ان الاتحاد العام على يقين كامل وثقة تامة من ان جماهير عمالنا لهم من الادراك الواعي ما يجعلهم يشعرون بخطورة الموقف فى هذه المرحلة المصيرية التي يجتازها الوطن الحبيبب وهو ما يستوجب منهم وبالدرجة الاولي الحفاظ على مصانعنا وشركاتنا ومنشآتنا والاموال والممتلكات العامة، وكذلك على الترابط الوطني والوحدة القومية.
وعاش نضال عمال مصر.. وعاشت مصر
ولكن الصحافة الحكومية المسماة بالقومية لم تنشر البيان الذي وقعه رئيس الاتحاد ووزير العمل فى حكومة ممدوح سالم!
وجاء يوم 19 يناير فاذا بالمظاهرات تزداد ضراوة وعنفا.
نعود الي التقارير الرسمية والصحفية التي نشرت فى صحف الحكومة.
يقول اللواء احمد رشدي مدير امن القاهرة فى تقريره الي النائب العام “وفى حوالي الساعة 8 صباح اليوم التالي 19-1-77، عاود عمال منطقة حلوان التجمع امام محطة مترو باب اللوق. وامكن تفريقهم بمعرفة قوات الشرطة. واخذ المتظاهرون فى التفرق الي مظاهرات تجوب وسط المدينة متخذة ايضا اسلوب التخريب والاتلاف. كما خرجت مظاهرة فى وقت معاصر من مصنع سوجات التابع لشركة مصر- حلوان والكائن بحدائق القبة. وتوالي انتشار المظاهرات بنفس الاسلوب فى جميع انحاء المدينة. واستمر المتظاهرون فى التعدي على المنشآت ووسائل المواصلات العامة والخاصة واقسام الشرطة.
ونتج عن ذلك وقوع حوادث حريق واتلاف وتعد على رجال الشرطة، اصيب من جرائها العديد منهم ومن المتظاهرين. كما حدثت تلفيات ببعض المباني ووسائل المواصلات، الامر الذي اوجب استخدام طلقات “الجرينر” الرش فى الهواء للارهاب والانذار والتحذير لتفريق المتظاهرين، ولكنهم لم يمتثلوا، فاضطر رجال الامن الي اطلاق هذا لنوع من الرش فى الأرجل. وازاء اصرار المتظاهرين على اقتحام بعض اقسام الشرطة واشعال النيران فيها والاستيلاء على مابها من اسلحة، اضطرت القوات بتلك الاقسام الي اطلاق الاعيرة النارية لاحباط تلك المحاولات، حيث نجحت فى السيطرة على الموقف”.
وتقول الاهرام: “كانت ظاهرة عامة، ان اعمار المتظاهرين لا تتجاوز. اثني عشر عاما واستعمل المتظاهرون الطوب وخلعوا لوحات الاعلانات. واستعملت الشرطة الغازات المسيلة للدموع وادي خروج الموظفين من اعمالهم الي زيادة حجم المظاهرات فى اماكن الشغب رغم ان معظم هذه التكتلات البشرية لم تشترك فى التخريب.
واستخدمت قوات الامن المركزي، الذخيرة الحية فى تفريق المتظاهرين.
واشعل المتظاهرون النار فى كازينو صفية حلمي، واعتدوا على مقر حزب (الحكومة)، فى العتبة، واقسام بوليس السيدة زينب والمطرية وباب الشعرية، وقذفوا الجامعة الامريكية بالحجارة، ونهبت الجمعيات الاساتهلاكية بالمطرية والسيدة والحضري.
وتمضي الاهرام قائلة فى تقرير كامل عن الحوادث فى القاهرة والمحفاظات بتاريخ 20 يناير سنة 1977.
“فى الجيزة شهدت منطقة ابمابة احداث هائلة نتيجة تظاهر عمال مصنع الشوربجي وشركة الشرق، وقذفوا مبني قسم ومركز امبابة، فاطلق البوليس النار، فازداد سخط المتظاهرين، ووضعوا العوائق على شريط السكة الحديد فى المنطقة واشعلت النيران فى احد القطارات وفى ترلوي باس”.
“ وشهد ميدان الجيزة معارك بين المواطنين والامن المركزي، تم اتجهت المظاهرات الي شارع الهرام، وركزت قوات الشرطة دفاعها عن مبني المحافظة، فاتجه بعض المتظاهرين الي مهاجمة ملهي الاوبرج والليل والملاهي الاخري، واصيبت اقسام البوليس فى امبابة والعجوزة والدقي وبولاق الدكرور والجيزة، والبدرشين.
وفى المنصورة هاجم المتظاهرون مبنى المحفاظة واستراحة المحافظ وقدرت النيابة التلف الناتج فى استراحة السيد المحافظ بما قيمته 28273 جنيها.
وشهدت قنا والمنيا واسوان والسويس واغلب مدن الجمهورية احداثا مماثلة.
ولم تتوقف المظاهرات ومعارك الشوارع وعمليات التخريب الا بعد اعلان الحكومة الغاء قرارات رفع الاسعار، واذاعة القرار الساعة 2.30 ونصه.. “بناء على ما تقدم به السيد رئيس مجلس الوزراء وموافقة السيد رئيس الجمهورية، اصدر السيد ممدوح سالم قرارا بايقاف العمل بالقرارات التي كانت المجموعة الاقتصادية قد انتهت اليها بشأن زيادة اسعار السلع”، واعلان حظر التجول ابتداء من الساعة الرابعة، ونزول وحدات من المشاة الميكانيكية وقوات الصاعقة والشرطة العسكرية الي الشوارع، واشتباكها فى عدد من المواقع مع المظاهرات التي استمرت الي ساعة متأخرة من الليل.

التعليقات متوقفه