هل تستطيع أوروبا أن تسلك سياسة خارجية مستقلة عن الحليف الأمريكى؟.. جمال بيومى: أوروبا عملاق اقتصادى وفى نفس الوقت قزم سياسى

242

تتحرك السياسة الأوروبية الخارجية لبعض الدول المهمة على الساحة العالمية ظاهريا فى سبل تبدو إنها ضد التحالف الإستراتيجي « الأوروبي الأمريكي» حتي تصور البعض أن أوروبا قد تخرج فى الفترة المقبلة من تحت السيطرة الأمريكية وتنتهج سياسة مستقلة برؤية محايدة بعيدا عن انحياز امريكا لبعض القضايا ولكن هذا صعب بل مستحيل الحدوث، وسوف نتعرف على الأسباب المتشابكة من سطور التحقيق التالي.
أكد السفير جمال بيومي رئيس إتحاد المستثمرين العرب ومساعد وزير الخارجية الأسبق أنه لا يوجد خلاف على إنها عملاق اقتصادي ونجحت فى اجتياز كل الأزمات ولديها قدر معقول من الاستقلال الاقتصادي، لكن فى نفس الوقت اوروبا «قزم سياسي» لم تصل حتي الآن إلى توحيد سياستها وايجاد دستور مشترك أو إنشاء رئاسة مشتركة كل هذا لم يوفقوا فيه وكل أزمة عالمية حاولوا التدخل فيها تأتي الولايات المتحدة ببساطة وتطلب منهم رفع أيديهم بزعم عدم الدراية السياسية.. وبالتالي الاوروبيون حتي عندما نعاتبهم بإنهم لا يقدمون ولا يؤخرون كثيرا فى مشكلة الشرق الأوسط يكون ردهم «ياسيدي نحن فى مشاكلنا الاوروبية أمريكا هي من تقوم بحلها، بدليل الأزمة بين تركيا واليونان وأزمة قبرص وأزمة البلقان لولا أن الطيران الأمريكي ضرب يوغسلافيا فكل هذه أزمات قامت بحلها الولايات المتحدة داخل أوروبا بمعزل عن الاتحاد الأوروبي فبالتالي ضعيفة سياسيا.
شبه مستقل
واستطرد بيومي قائلا من هنا تأتي شبهة سلوك مستقل لأوروبا هو خلفيتها اقتصادية حيث وجدوا أنهم إذا ساروا فى مسألة مقاطعة إيران وفق ما تطلب الولايات المتحدة، الايرباص سيخسر 29 مليار دولار قيمة تعاقداته مع إيران.وبالتالي ساروا فى الخط الاستقلالي أو شبه الاستقلالي وحاولوا ايجاد حل وسط بالتعاون مع روسيا لأن روسيا ايضا تساعدهم فى هذا. إذا المصالح الإقتصادية هي التي تحركهم إلى حد كبير، والسياسة الألمانية الثابتة هي الحريات والديمقراطية والانحياز للغرب بما يشمل الولايات المتحدة ولا ننسي أن ألمانيا إلى هذه اللحظة دولة محتلة بقوات أمريكية، وهناك معسكرات أمريكية فى فرانكفورت ومعسكرات بريطانية فى أماكن أخري، ألمانيا من الناحية القانونية البحتة مازالت محتلة.. وقال بيومي: فرنسا حاولت أن تستقل قليلا منذ أيام “ديجول” الذي عمل برنامجا نوويا مستقلا، لكن يبقي الوضع ان اوروبا تعتمد على الولايات المتحدة اساسا فى حل المشاكل السياسية،إلا إذا تعارضت مع مصالح اقتصادية. ولذلك حدث الاختلاف الموجود حاليا فميركيل و ماكرون ورئيسة وزراء بريطانيا مع ان بريطانيا عادة ذيل للولايات المتحدة ومع ذلك تعارضها فيما يتعلق بالإتفاق النووي الايراني لانه سيؤثر عليهم اقتصاديا وأيضا واضح ان رأيهم المتعقل إلى حد ما، لان رئيس الولايات المتحدة الامريكية يتخذ قرارات غير متوقعة وهذا ممكن أن تؤثر فى السلام الدولي. واشار بيومي إلى تعليق مارجريت تاتشر الذي قالت فيه “لن يكون هناك فى يوم من الأيام ولايات متحدة أوروبية”
أوروبا تنشد الاستقرار
وفى نفس السياق يضيف السفير فتحي أبو الخير مساعد وزير الخارجية الأسبق قائلا: إذا وجدت اوروبا فى بعض الحالات إن مصلحتها تقتضي إنها تتبع طريقا مختلفا عن امريكا ستفعل هذا، رغم انها تاريخيا سياستها متوافقة مع أمريكا على أساس المعسكر الغربي،”ترامب” يأتي بأساليب جديدة وغريبة ويضع الأمور كلها على حافة الهاوية ثم يتراجع فى قراراته، هذه الصورة تزعج اوروبا لأنها تريد الاستقرار،هناك اتحاد اوروبي اقتصادي وسياسات متجانسة لذلك لا يريدون اي نوع من الصراعات أو القلاقل، فمثلا ليس لديهم صراع صريح مع روسيا،نعم هناك خلافات إنما ليس بمعني الصراع كما هو قائم بين أمريكا وروسيا، اوروبا لديها سياسة معتدلة.نعم معسكر غربي لكن ليس بالضرورة ان ينجرف مع أي تيار ممكن يزعزع الاوضاع لديهم.بالتالي السياسة التي يتبعها الاتحاد الاوروبي تجاه المشكلة “الايرانية الأمريكية”أنا أعتقد ان هذه سياسة حكيمة وان “ترامب” مثلما يناور كوريا الشمالية يناور ايضا مع ايران وفى منطقة الشرق الاوسط وهو ينفذ استراتيجية أمريكية ثبت على مر السنين إنها غير قابلة للتنفيذ وتتنوع الأساليب فى تطبيق الاستراتيجية إنما عند حد معين يتفقوا.. واستطرد أبو الخير قائلا : لا يوجد رئيس أمريكي اعترف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل، لكن “ترامب” يدعي إن القرار متخذ ولكنهم لم يعلنوه،لا لم يكن هناك أي داع له ،لان هناك قرارات من الأمم المتحدة وكفى الدعم الذي تعطيه امريكا لإسرائيل،اوروبا لا تريد ان تغرق مع أي تيارات تفرضها عليها أمريكا هي تريد سياسة مستقرة، تحافظ على مصالحها على وحدتها على علاقتها مع الدول الأخري.
وأضاف أبو الخير قائلا: أنا لا أعتقد أن اوروبا سيكون من السهل جرها إلى الخروج عن الإطار الذي تعمل من خلاله الآن والسياسة التي تتبعها حتي إذا كانت فى بعض الأحيان خرجت خروجا بسيطا إنما لن تحيد عن سياسة الاستقرار ،لان اوروبا تحملت حروب”هتلر الذي احتل كل اوروبا حتي المانيا دمرت بالكامل وكيف أصبحت الآن، وكذلك فرنسا “لذلك لن يجازفوا أبدا بما وصلوا إليه وبالاستقرار الموجود وبالوحدة الاقتصادية من أجل مغامرات امريكية، خاصة انهم لا يتنافسون مع روسيا فى ريادة العالم إنما أمريكا تفعل هذا رغم إن روسيا لم تعد القطب الموازي لأمريكا، فى الماضي كان الاتحاد السوفيتي بقوته يوازي أمريكا وكانا قوتين متعادلتين،حاليا روسيا اقل من الإتحاد السوفيتي.
و استطرد ابو الخير قائلا: إذا استطاعت اوروبا ان تفرض ضرائب مماثلة على أمريكا مثل الضرائب التي فرضت عليها ستفعل ولكن لا اعتقد إنها تريد أن تحدث مواجهة.
الاستراتيجية والتكتيك
وأضاف السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق قائلا: لن تسلك أوروبا سياسة مستقلة إلا فى حدود معينة وكل دولة من الدول الاوروبية الرئيسية لديها هامش للمناورة وهامش للتحرك إلى حد ما لكن يتصل لحد معين ولابد أن تقف عنده، فهم فى هامش الحركة فى قضية ما قد يكون أوسع من قضية أخري، لكن السياسة تسير فى اطار الانتماء للحلف الاطلنطي، ونحن رأينا ما يحدث مع الشركات الاوروبية التي تعمل مع إيران وحاليا تريد التخارج، الولايات المتحدة مازال لديها تأثير كبير على الدول الاوروبية. وقال هريدي فيما يتعلق بالتحركات الاوروبية تجاه روسيا إنه لا بد من ان نفرق بين التكتيك والاستراتيجية، فكل ما يحدث هو تكتيك،لكن فى النهاية إذا حدثت مواجهة بين روسيا و أمريكا فأوروبا لا يمكن ان تأخذ جانب روسيا.فالولايات المتحدة الأمريكية تتركهم يتحركون ولكن عندما تشعر إنهم يهددون مصالحها ستتحرك سواء عن طريق الاتصالات الدبلوماسية أو عن طريق الضغط.امريكا لديها طرقها الخاصة.. ويجب أن لا ننسي إن داخل القوي الأوروبية يوجد ناس موالية للولايات المتحدة الأمريكية تماما، وهم الذين يقولون لا نحن مهما إن حدث لن نترك التحالف الأمريكي. الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا لديهم مصالح استراتيجية مشتركة ولا يجب ان ننسي هذا،اذا كانت هناك تباينات حول قضايا معينة هي تباينات مرحلية آنية لكن لا تؤثر على المصالح المشتركة بينهم.
تكامل فكري واقتصادي
وأكد السفير إبراهيم الشويمي أن إذا كانت هناك وجهات نظر مختلفة بين أمريكا وأوروبا لا يؤثر هذا إطلاقا على التحالف الإستراتيجي الدائم منذ الحرب العالمية الثانية خاصة وإقامة حلف الأطلنطي بمعني وجود اتفاقيات عسكرية واقتصادية ومالية والبنك الدولي والبنك الاوروبي ،كلها تنظيمات ومنظمات تعزز العلاقة بين اوروبا وأمريكا، إذا كان هناك اختلاف فى وجهات النظر فى بعض الأمور مثل الاتفاق الايراني أو مشكلات الشرق الاوسط وغيرها من القضايا إلا ان اساس العلاقة هو علاقة استراتيجية كاملة فلا يمكن ان تستغني اوروبا عن أمريكا وايضا لا تستغني أمريكا عن أوروبا، فأوروبا مجموعة دول لها قدرات اقتصادية وفكرية وثقافية هائلة لا يمكن ان تستغني عنها أمريكا وكذلك بما أن اوروبا لا تستطيع ان تستغني عن أمريكا، كعملاق اقتصادي له قدرات عسكرية هائلة لا تضاهيها أي قوي فى العالم فالقوة العسكرية الأمريكية لا تضاهيها القوة الاوروبية ولا تضاهيها اي قوة موجودة فى العالم وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها وبالتالي، فإن التعاون الاوروبي الأمريكى تعاون دائم ومستمر وإن اختلفت وجهات النظر وإن اختلفت بعض السياسات.

التعليقات متوقفه