بعد رحيله.. استنزاف القطاع العام ونهبه

98

محمد مختار

“ أعطنى زراعة وصناعة متطورة.. أعطيك دولة قوية وشعب متحضر” تلك كانت المبادئ الأساسية التى سار وفقًا لها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فى ثورته الصناعية، ومحاولته لتشييد مصانع وطنية ضخمة تحت شعار “من الإبرة للصاروخ”، ولكن هذا المشروع تعثر كثيرًا على مر العصور السابقة، وأصبحت شركات القطاع العام عبئا كبيرا على الدولة بسبب خسائرها الكبيرة والمتسبب الأول فيها هو الفساد، وذلك بدلآ من أن تكون هذه الشركات هى قاطرة التنمية والتى كان من الممكن ان تضع مصر جنبًا إلى جنب مع الدول المتقدمة صناعيًا.

اعتمد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على خطط زمنية لبناء قاعدة صناعية شاملة، ففى ظل الخطة الخمسية الأولى أنشأت مصر السد العالي، وشركة الحديد والصلب، ومجمع الألومنيوم فى نجع حمادي، وغيرها الكثير.. الأهالى تعرض نماذج من أهم القلاع الصناعية التى شيدها “عبد الناصر” وما هو الوضع الحالى لها.
الحديد والصلب
ففى ظل ظروف صعبة وتضييق وحصار اقتصادى، تغلب الرئيس جمال عبد الناصر على كل هذه المعوقات، وأصدر فى عام 1945 مرسوما بتأسيس مجمع الحديد والصلب بحلوان، فى منطقة التبين بحلوان كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربي برأسمال 21 مليون جنيه، واستطاع وضع حجر الأساس لهذه القلعة الصناعية فى عام 1955، حيث كانت هى البوابة الرئيسية نحو التصنيع وخاصة الصناعات الثقيلة.
وتعد الشركة من أكبر المجمعات الصناعية فى مصر يعمل بها نحو 11 آلاف موظف وعامل، وهى تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية. ولكن فى الوقت الحالى فالحال تبدل كثيرًا وخيم ظلام التدهور والإهمال على القلعة الصناعية الضخمة، فنزيف الخسائر يحاصرها، وبحسب ما أعلنته الشركة فقد بلغ صافى خسائرها نحو 188.7 مليون جنيه خلال الفترة من يوليو حتى نهاية ديسمبر لعام 2016، مقابل 322 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ويقول صلاح الأنصارى، القيادى السابق بالحديد والصلب، إن هناك أسبابا رئيسية أدت إلى تدهور شركة الحديد والصلب بحلوان ومنها أن تقادم الأفران أدى إلى عدم قدرتها على الانتاج بكفاءة عالية، وأن الصيانات التى تجرى لها أصبحت دون جدوى بسبب انتهاء العمر الافتراضى لهذه الأفران وبحاجة ماسة إلى التطوير الشامل والاحلال والتجديد.
النصر للسيارات
تأسست شركة النصر للسيارات فى عام 1959، وكان المخطط لهذه الشركة أن تقوم بصناعة أول سيارة مصرية، وفق برنامج زمنى وضع كان يبدأ بتجميع السيارات، وكان هدف إنشاء الشركة بمثابة مشروع قومي بنهضة صناعية كبرى تقوم على التبادل التجاري والصناعي والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والأيدي العاملة، استغلالًا لكل الطاقات وتدريبها لخدمة الوطن، وبدأت الشركة بـ290 عاملًا حتى وصلت لأكثر من 12 ألف عامل من العمالة الفنية المدربة، بالإضافة إلى العمالة فى مصانع الصناعات المغذية للشركة، وكان يوجد بالشركة خط تجميع سيارات كامل بطاقة إنتاجية 15000 سيارة سنويا فى الوردية الواحدة.
ولكن حال هذه الشركة لم يختلف كثيرًا أيضًا، فقد جاء قرار تصفية الشركة فى عام 2009، وذلك بعد تراكم الديون والتى وصلت إلى 1.3 مليار جنيه، إلا أن الوقت الحالى نجد الآمال قد تتجدد بتصريحات المسئولين حول إعادة تشغيل الشركة مرة أخرى، فالشركة والتى تبلغ مساحتها 144 فدانًا وتحتوى على 5 مصانع بخلاف 72 مخزنًا، أصبحت صحراء جرداء لا تحتوى إلا على خردة قديمة وخطوط انتاج بعضها ما زال فى حالة جيدة ولكنها معطلة والبعض الاخر تمت إزالته.
وقال خالد الفقى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية والهندسية، إنه خلال العام الماضى 2016، تم اتخاذ قرار بإعادة تشغيل الشركة وعدم تصفيتها، مؤكدًا أنه بدأ بالفعل العمل النسبى داخل الشركة، حيث تم الاتفاق على ضرورة الاستعانة بشريك أجنبى من الشركات العالمية لتصنيع سيارة، وإنشاء مراكز خدمة جديدة تابعة للشركة.
مجمع الألومنيوم
تميز بُعد النظر الذى تميز به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسعيه حول ثورة صناعية شاملة فى الشروع فى إنشاء مجمع للألومنيوم بنجع حمادى، وبجانب السد العالى، وأصبح أكبر مصنع ألومنيوم فى العالم العربي، وتخطى الانتاج السنوى أكثر من 132،000 طن سنويا، وعمل بالمصنع ما يزيد على عشرة آلاف عامل وتعتبر شركة مصر للألومنيوم احدي شركات الشركة القابضة للصناعات المعدنية.
شهد مجمع الألومنيوم خلال الفترات الماضية حملات ممنهجة من إهمال التطوير به، والذى أدى إلى خسائر فادحة، ولكن القرارات الاقتصادية الأخيرة من تحرير سعر الصرف جاء بمثابة طوق النجاة لها، وتحويل الخسائر إلى مكاسب كبيرة وذلك بسبب اعتماد الشركة على تصدير منتجاتها للخارج.
وكان الدكتور أشرف الشرقاوى، وزير قطاع الأعمال العام، فى آخر زيارة الى مجمع مصر للألومنيوم قد أكد أن الشركة الآن فى وضع مختلف يسمح لها باقتناص فرصة التطوير،.
الغزل والنسيج
هو القطاع الصناعى الأضخم فى مصر والذى ارتبط اسمه بالزعيم جمال عبد الناصر، وساعد فى ازدهار هذه الصناعة بل زاد ارتباطها بمصر، الحالة الزراعية الجيدة لمحصول القطن، وتشجيع الفلاح على زراعته فى هذا الوقت، ولكن الوضع الآن اختلف كثيرًا.
تمتلك الشركة القابضة للغزل والنسيج، 32 شركة تضم 63 ألف عامل موزعة على 9 محافظات هي “الإسكندرية، والبحيرة، والشرقية، والدقهلية، ودمياط، وسوهاج، والمنيا، وبورسعيد، والغربية”، حيث يوجد بالغربية أهم الشركات وهى “شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى”، وجميعها لم يحقق أرباحًا منذ ما يزيد على 20 سنة.
وفى محاولة للتطوير، توجهت الشركة القابضة للغزل والنسيج للتعاقد مع مكتب “وارنر” الأمريكى لتقديم دراسات لإعادة هيكلة هذا القطاع المترهل الأمر الذى أثار العديد من الجدل بسبب القيمة المالية التى رصدت لهذا المكتب والتى تقدر بحوالى مليون دولار ستتحمل الشركات هذه التكلفة، والتى تقدر بعدد 26 شركة غزل ونسيج سيتم إعداد الدراسات الفنية والمالية والتسوية الخاصة بهم.

التعليقات متوقفه