«القومى للمرأة» نائم و الأزهر لا يعترض!!.. «زواج القاصرات».. موت وخراب ديار

123

تشير بعض الدراسات الحديثة إلي ارتفاع نسبة المواليد غير المنتظرة “بطريق الخطأ”، إلي نصف مليون حالة سنوياً وفق للمسح السكاني عام 2016، وبالرغم من وجود مجالس قومية عريقة وثيقة الصلة بالمرأة والأسرة فلم يكلفها الأمر عناء البحث والدراسة لتخرج مؤكدة عدم معرفتها بالأزمة..ويرى خبراء ان تلك الكثافة السكانية غير المدروسة تأتي ايضا بسبب عدم وجود وعي خاصة بعد ارتفاع نسبة زواج القاصرات اللواتي ينقصهن الخبرة والوعي..يحدث ذلك ايضا فى ظل عدم الحسم الديني لهذا الملف..ليظل زواج القاصرات للفتيات دون العشرين عاماً، واحداً من أبرز الأزمات التي تهدد بانفجار سكاني ويزيد معها أزمة الطلاق التي تعانيها الدولة..الى التحقيق.
فتيات الإعدادي
تعد فتيات الصفوف الاعدادية الأكثر قبولاً وحظاً للزواج المبكر أو زواج القاصرات، حيث يضطر كثير من الأهل إلي تزويج بناتهن وفق مبدأ المصير الحتمي لبيت زوجها، مفضلين الأمر على استكمال تعليمها أو انتظار عارٍ قد يواجهونه فى مرحلة أكثر تقدماً سواء أكانت عنوستها أو الوقوع فى غراميات شبابية تأباها المجتمعات والأعراف والتقاليد، حيث تعد أهم الأسباب المؤدية إلى زواج القاصرات، الرغبة فى التخلص من مصروفهن، ونفقاتهن، والعادات والتقاليد القائمة على تأمين مستقبلها وحفظ ميراث العائلة من التبدد.
ورغم التحذيرات الطبية والنفسية من خطورة الزواج المبكر، إلا أن عدم حسم المسألة من الناحية الدينية والقانونية يفتح المجال أمام ارتفاع معدلاته فى الريف المصري والصعيد على حد سواء، فوفقاً للدكتورة عزة كُريم، أستاذ علم الإجتماع، فإن المجتمعات المصرية تميل إلي التدين وترغب فى ممارسة الممنوع قانوناً والمباح شرعاً، لافتة إلي أن الختان كجزء من العرض المجتمعي المرتفع يبرهن الرغبة فى تحدي المجتمع للقانون.
وأوضحت كُريم أن هناك ضرورة ماسة فى أن يلتزم القانون بجوهر الشرع، كي يكون لقبوله لدي المجتمع واقعاً، مشيرة إلي أن الأزمة تتمثل فى الفجوة بين تلك التشريعات المخالفة للعادات والتقاليد والشرع.
فيما أكدت سامية خضر، أستاذ علم الإجتماع، أن وسائل الإعلام عليها دور كبير فى التوعية بخطورة الأمر، خاصة أن من شأن الدراما تحقيق توعية شاملة بخطورة تزويج الفتيات فى أعمار مبكرة، لافتة إلي أن العبء الاقتصادي لم يعد رادعاً أمام الأسر المصرية التي ترغب فى مزيد من الأبناء.
وبينت، أن الأزمة ليست فى الزواج المبكر فقط بقدر ما يترتب عليه من ارتفاع فى معدلات الانجاب والزيادة السكانية، مشددة على أن الإعلام المرئي فى ظل الجهل العام يجب أن يمارس دوره فى التحذير وبيان كارثة الأمر، وذلك بعد غياب الوعي الذي كان عليه المجتمع وأدي إلي انتاج عمل درامي كـ”أفواه وأرانب”، و”الحفيد”.
وأشارت إلي غياب دور المجلس القومي للمرأة فى حماية المجتمع من تلك الظواهر، مطالبة بضرورة تفعيل دورٍ أكبر للحفظ على بنية الأسرة المصرية، والمرأة على وجه الخصوص.
صاحبة الـ 13 عامًا
تواصلت الأهالي مع عدد من الفتيات التي لم يمر على تزويجهن سوي بضع أيام بمحافظة الدقهلية، حيث تزوجت فتاة الإعدادي بإحدي قري مدينة السنبلاوين، لأحد أقاربها دون انتظار لرغبتها فى أن تتم تعليمها الثانوي، فالأب لا يجد قوت يومه ومع غلاء المعيشة يعيش وفق مقولة “ مسيرها لبيت العدل”.
تروي الفتاة قصتها لتؤكد كنت أحلم بأن أصبح مهندسة وحينما بلغت الصف الأول الإعدادي وجدت كثيرا من أهالي القرية يتقدمون لخطبتي، ومع الحاح شديد وجدت نفسي مضطرة لتنفيذ رغبة والدي بالزواج لقريب له، فهو شاب ميسور الحال، لديه وظيفة بدولة الإمارات يسافر كل عام ويعود لقضاء إجازته التي لا تتعدي أسبوعين إحداهما فى أواخر رمضان والآخر فى شوال، ومن ثم يعود لعمله.
الانترنت
تضيف التقيت به من خلال الانترنت فحدثني عن عمله ورغبته فى الزواج بي فما كان لي أمام الهدايا التي ترسل عن طريق أصدقائه العائدين إلا أن أوافق وأتخلي عن حلمي باستكمال دراستي ودخول كلية الهندسة.. فتاة أخري من قرية مجاورة، تقول:تزوجت فى سن الـ13، من شاب يبلغ من العمر 30 عاماً، هو ابن عمها، يعمل محاسباً أنجبت منه ولداً وبنتاً، ومع وضعها للطفل الأول تعرضت لرغبة زوجها فى الطلاق ما استرعي تدخل الأهل خشية أن تفقد ابنتهم الكثير من الحقوق ومع الحاح أهله عاد إلي إلا أنه استمر فى ضربي وإهانتي.
وتضيف أعيش معه على إهانة وذل، لم أحبه يوماً لكن أهله وأهلي يعارضون رغبتي فى الانفصال عنه، مشددة أنها تموت كل يوم لكن ماذا تفعل فخوف أبي من أن يتقدم لمحكمة الأسرة طلباً فى طلاقي تجعلني أستمر فى الذل والمهانة.
ولم يختلف الأمر فى القاهرة، فابنة الصف الثالث الإعدادي، أيضاً وجدت نفسها من خطوبة شاب فى ريف مصر، إلي الزواج بآخر يسكن القاهرة، بناء على رغبة عمها وأبيها، جعلها تتزوج كأي فتاة تبحث عن ارتداء الفستان الأبيض والرقص وغيرها من مظاهر البهجة التي لم تدم سوي أربعة أشهر، بعدها بدأت الأم فى فرض سيطرتها على البيت فابنها الذي لا يعمل ويعيش معها فى البيت لن ينجب.
فبدأت الأم فى نسج مخطط يضمن لأبنها أن يطلق الفتاة ولكن دون أن يخسر شيئا، وباستخدام التليفون المحمول تمكنت من تسجيل صوتها وربطها بأصوات شاب لا تعرفه باتت سمعتها مهددة ليضطر أبوها أن يوافق على طلاقها دون الحصول على شيء سوي ما اتي به من جهاز.
وتشير إلي أنها فقدت احساسها بالحياة وباتت كئيبة لا تأكل ولا ترغب فى الزواج لتقضي ربيعها العشرين وسط جدران البيت، لم تستكمل تعليمها ولم يدم لها الزواج أكثر من أربعة أشهر، تزداد سمنتها يوماً بعد يوم وأطباء النفس يؤكدون أنها حالة عارضة ستنتهي بالزواج ولكن هيهات أن تكرر الأمر ثانية.
المأذونون
فى الوقت نفسه عقد عدد من مأذوني مصر بالأقاليم اجتماعًا داخل صندوق تأمين المأذونين بحي السيدة زينب بالقاهرة مؤخرا، بهدف سن تشريع من شأنه معاقبة الأوقاف وأئمتها حال تحريرهم لعقود زواج، خاصة أن أغلب حالات الزواج للقاصرات بالأرياف وراءها أئمة الوزارة بحسب قولهم، مؤكدين ضرورة مناقشة قضايا الزواج والطلاق وتحسين أوضاعهم.. وقال الشيخ “محمد القاضي” مأذون شرعي، أن المأذونين قاموا بتقديم بلاغات لوزارة الأوقاف للتصدي لحالات زواج القاصرات، ومنعهم من إجراء عقود زواج بأنصاف الأثمان للقاصرات، والتي يرفضها المأذون باعتبارها مخالفة للشرع والقانون الذي يجرم زواجهن فى هذا السن، مؤكدًا أننا نتفاجأ من أئمة المساجد وهم يقدمون على تلك الخطوة، دون أن تتصدى لهم وزارتهم.
الرأي الديني
ولكن شيخ الأزهر بدوره أكد أن معظم الفقهاء يرفضون مسألة زواج الصغيرات وكثير منهم أبطل عقد الزواج قبل بلوغ الولد أو البنت، وبطلانه يعني أنه لا يترتب عليه لا مهر ولا توارث؛ لأنه شيء خارج عن الطبيعة، لكن بعد البلوغ فالزواج جائز على اعتبار أن الأمر خاضع للعادات والتقاليد والمجتمعات سواء كانت مجتمعات قَبَليّة أم مجتمعات حَضَريّة، وإذا كان الأمر يتعلق بعادات وتقاليد فبأي وجه يحرم الفقهاء هذا الزواج وهم فى عصور ليس فيها قوانين تحدد سن الطفولة، ولا سن الزواج، ولا مواثيق دولية.
ولفت إلي أنه يحق لولي الأمر شرعًا أن يقيد فيها هذا المباح الشرعي، لما فيه مصلحة الأولاد والبنات ومصلحة المجتمع، موضحاً أن ما يثار أن النبي تزوج من السيدة عائشة وهي صغيرة بنت تسع سنوات، والحقيقة بعد قراءات كثيرة مع الأديب العملاق عباس العقاد أن السيدة عائشة حين تزوجت من الرسول كان لا يقل عمرها عن 13 إلى 16 سنة.
مخاطر
وأكد الدكتور صلاح سلام، نقيب أطباء شمال سيناء، خطورة زواج القاصرات من الناحية الصحية على الفتيات خاصة فى اعمار 18 وتحت 20 سنة، حيث يتسبب فى ارتفاع معدلات الولادة القيصرية كونها لم تجد النضج الكافى للحوض، فضلا عن حدوث انيميا الحمل، وزيادة معدلات تسمم الحمل، فالزواج المبكر تحت 18 سنة عادة فى التربية الريفية القديمة كانت التغذية مرتفعة، فى الوقت الحالي أصبحت التغذية ضعيفة ما قد يتسبب فى تأخر الانجاب وهو ما يساوي الطلاق المبكر.
وتابع، انفجار سكاني وأعباء إضافية على الدولة ففى ظل الانجاب المبكر أغلب السيدات كثيري الانجاب لا يصلهن وسائل منع الحمل، والمباعدة فى فترات الحمل لا تحقق الهدف المرجو منها، حيث ترفض المرأة منع الحمل لسبع سنوات ما أدي إلي نصف مليون حالة حمل غير منتظر وفق المسح السكاني العام الماضي.
من جانبه، أكد محمد حسن، الإخصائي النفسي لحملة “معاً لإنقاذ الأسرة” أن 65%،70 % من حالات الزواج للقاصرات تفشل وتؤدي إلي الطلاق المبكر، لافتاً إلي أن الهرمونات الزائدة تعطي انطباعاً بالبلوغ ما يتسبب فى التزويج بشاب يكبرها فى السن، ويسفر عن صدمة الزواج حيث لا تتقبل الوضع الجديد بصورة سريعة.. وتابع، بعض الحالات فى الصعيد التي رصدناها كانت لفتاة تبلغ 18 سنة ولديها طفلان، فما بين حاجتها للتربية وبين واجبها تجاه الأطفال تزداد معاناتنا مع الأجيال الناشئة، موضحاً أن الانفصال قد يجعلها تذهب للشارع فلن يكون لها مكاناً فى بيت أهلها، فتضطر إلي العمل بأماكن بعيدة كالغردقة وغيرها فى المقاهي والفنادق، وبعضهن يستسلم للشارع.
وطالب بدور للأطباء النفسيين والاجتماعيين فى احتواء الفتيات وارشادهن وبيان كيفية مواجهة حالات الطلاق والتعامل مع الأطفال بصورة سليمة، ومواجهة ظاهرة التفكك الأسري، لافتاً إلي أن الحملة تقدمت بمشروع أمام مجلس النواب منذ 3 أشهور للحد من الظاهرة.
الشريعة
وقال وليد عبد المقصود، رئيس مبادرة نعم لإنقاذ الأسرة المصرية، أن زواج القاصرات أزمة حقيقية تهدد المجتمع، مؤكداً أن 14% من فتيات مصر تزوجن تحت سن 18 سنة، وتم تزوير شهادات ميلادهن، لافتا الى أن عند تلقي الحملة مثل هذه الحالات، ويتم اللجوء معهن للنيابة العامة لتحرير بلاغا بالواقعة، وعند معرفتهن بالعقوبة التي ينالها ولي الامر الذي قام بتزويجها يتراجعن على الفور حتى لا يقمن بإذائهم، وهو الامر الذي جعل معظم الفتيات لا يقدمن على هذه الخطوة خوفا على أهلها، وبالتالي يهدرن حقوقهن كاملة، وتصبح ضائعة بين الاهل والزوج، وطالب “رئيس الحملة” بضرورة حملات توعية للفتيات وخاصة فى المحافظات، وتابع، أن البعض ينظر للشريعة نظرة عقيمة فى هذا الامر، خاصة أن الشريعة الاسلامية جاءت لتواكب كل العصور، ولذلك فقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاجتهاد للعلماء، ليحددوا ما يصلح وفقا لمعيار الزمن.

التعليقات متوقفه