نهاية النظام الدولى لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. رئاسة ترامب تضع الأولوية لمحاربة الإرهاب بالتعاون مع روسيا

247

جاء خطاب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فى حفل التنصيب، بمثابة إعلان عن نهاية النظام الدولي الذي أقيم عقب الحرب العالمية الثانية.
هدفان رئيسيان طرحهما ترامب أولهما: القضاء على الإرهاب، وثانيهما : إصلاح الخلل الاجتماعي الاقتصادي فى الجبهة الداخلية.
ويسعى ترامب إلى تشكيل ائتلاف مناهض للإرهاب، وتدمير « داعش «، وعقد صفقة مع الرئيس الروسي بوتين تقضي بإنهاء العقوبات المفروضة على روسيا، ووضع حد للتحركات العسكرية العدوانية الأمريكية فى أوروبا على الحدود الروسية فى مقابل تخفيض للترسانة النووية لكل من روسيا والولايات المتحدة.
*****
ظل المحافظون الجدد فى الولايات المتحدة وأتباع الثنائي باراك أوباما هيلاري كلينتون، فى أنحاء العالم يعلقون آمالهم على أن هناك دائماً فارقا كبيرا بين ما يقوله المرشح فى الحملة الانتخابية الرئاسية وبين مواقفه وتصريحاته عقب فوزه فى الانتخابات ودخوله البيت الأبيض وجلوسه فى المكتب البيضاوي.
وجاء خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فى حفل تنصيبه، وعقب حلفه اليمين،.. لكي يشكل صدمة هائلة.. ويثير حالة من الفزع فى قلوب هؤلاء الذين اعتادوا على السياسة الأمريكية التقليدية التي انتهجها الرؤساء الأمريكيون سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فقد أكد ترامب ما سبق أن أعلنه خلال حملته الانتخابية من أن الأولوية القصوى لديه هي محاربة الإرهاب ومحوه من على وجه الأرض، واستعداده للقيام بعمليات عسكرية مشتركة وحاسمة فى إطار تحالفات عندما يكون ذلك ضروريا من أجل تدمير المنظمات الارهابية، كما أن إدارته إدارة ترامب ستعمل مع الشركاء الدوليين على منع تمويل التنظيمات الإرهابية، كما ستعمل على توسيع عملية تبادل المعلومات الاستخبارية ومتابعة المجال الالكتروني للتصدي لنشاط الإرهابيين فى عمليات الدعاية وتجنيد الأتباع.
من الدعم إلى المواجهة
ولسنا فى حاجة إلى تذكير القارئ بما قامت به إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما من دعم للمنظمات الإرهابية فى سوريا وغيرها.وشمل هذا الدعم التدريب والتمويل والتسليح لاستخدام هذه المنظمات كأداة لقلب أنظمة الحكم التي لا تسير فى فلك واشنطن، حتى أن دونالد ترامب قال، صراحة، إن أوباما هو المؤسس لتنظيم داعش. وكان رؤساء أمريكيون سابقون قد تولوا تأسيس تنظيم « القاعدة « فى أفغانستان وحركة « طالبان « فى باكستان لاستخدامهما فى محاربة السوفيت فى أفغانستان، ولهذا السبب تم « نقل « حركة طالبان عبر الحدود الباكستانية إلى أفغانستان. ألا يعني ذلك أن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء ما يعانيه العالم الآن من جرائم الإرهابيين ؟.
وخطاب ترامب فى حفل التنصيب بمثابة الإعلان عن الانتفال من دعم الإرهاب والارهابيين وهو ما فعله الثنائي أوباما وكلينتون عندما قاما بدعم جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر إلى محاربة الإرهاب والارهابيين.. والواضح أن ترامب يدرك ان خطر الارهاب أصبح يشكل تهديدا للجنس البشري والحضارة الإنسانية.
لا فرض أو وصاية
ويشتد وقع الصدمة فى أوساط المحافظين الأمريكيين الجدد، عندما يعلن ترامب فى خطاب التنصيب أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى فرض نمط الحياة الأمريكية على الآخرين، وأن من حق جميع الأمم أن تضع مصالحها فى المقام الأول.
وتحتدم حالة الهياج فى أوساط المحافظين الأمريكيين الجدد عندما يستمعون إلى ترامب وهو يستهل رئاسته باعلان أن امريكا لن تخرج عن حدودها، بحثاً عن أعداء، وأنها ستشعر بارتياح عندما يتحول أعداؤها القدامي إلى أصدقاء لها، وأنها سوف تستخدم الطرق الدبلوماسية وتبدي شجاعة فى محاولة حل الخلافات بطريقة سلمية « ليس لأننا سذج بشأن الأخطاء التي نواجهها بل لأن التقارب يمكن أن يقضي على الشكوك والمخاوف».
سياسة الدولة العميقة
هذه السياسة التي يعلن ترامب تمسكه بها تتناقض مع سياسات الدولة العميقة فى الولايات المتحدة.
أنها سياسة تختلف جذريا عن خطط ومشروعات وأفكار كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالة الأمن القومي الأمريكي والبنتاجون والمجمع الصناعى العسكرى والحزب الديمقراطى الأمريكى والحزب الجمهوري الأمريكي ( وخاصة مجموعة المتطرفين فى داخل الحزب ) ووسائل الاعلام التابعة للمحافظين الجدد، وخاصة صحف « وول ستريت جورنال « و» نيويورك تايمز « و» وواشنطن بوست « إلى جانب قناة CNN التليفزيونية وغيرها.
كلهم متعطشون لدماء ترامب، وسبق أن حاولوا إقناع الأمريكيين بأن قرصنة الكترونية روسية هي السبب فى فوز ترامب فى الانتخابات، رغم أن طفلا فى العاشرة من عمره يستطيع أن يقوم بهذه القرصنة، ثم حاول نفس الأعداء إيهام الأمريكيين بأن روسيا تملك صوراً لفضائح جنسية لدونالد ترامب مع عاهرات أثناء إحدى زياراته لموسكو !! وبالتالي فإن روسيا تملك وسيلة لابتزازه وإرغامه على أن يكون تابعاً لها!!.
حلف دولي مضاد
ووصلت حالة الجنون والهستيريا داخل الولايات المتحدة وفى دوائر « المؤسسة « الحاكمة والنخبة التقليدية إلى حد اعتبار ترامب رئيسا « غير شرعي « انتخبه الروس وليس الأمريكيين ( !! ) وانه « عميل روسي « و» دمية فى أيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأنه يعتزم « رفع العلم الروسي فوق الكابيتول (الكونجرس)!!!
وسلسلة طويلة من « الفبركات « والتلفيقات والأكاذيب لتشويه الرجل شاركت فيها المخابرات البريطانية (M16)، ورئيس جهاز مخابرات إحدى دول أوربا الشرقية، وأجهزة مخابرات دول البلطيق والمتطرفون الدينيون فى الكونجرس!
ثمة حلف دولي احتشد للإطاحة بترامب، ومما زاد النار اشتعالاً أن ترامب ألمح إلى أنه قد يخفض ميزانية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وستة عشر جهازا أمنيا آخر فى الولايات المتحدة تنفق أكثر من 70 مليار دولار سنوياً.
بل تردد أن بعض مستشاري ترامب يعكفون على وضع خطة لإعادة هيكلة وكالة المخابرات المركزية، بعد أن لوحظ أنها أصبحت “ مسيسة “ ولا تركز على عملها الأصلي الذي يفترض أنه فى خارج الولايات المتحدة وإنما تقحم نفسها فى الشئون الداخلية.

انقلاب أم حرب أهلية
لهذه الأسباب، لم يتردد محللون وكتاب أمريكيون فى التحذير من أن المحافظين الجدد يحاولون الآن القيام بانقلاب ضد ترامب. ويؤكد هؤلاء أن الولايات المتحدة توشك على الدخول فى أسوأ أزمة فى تاريخها، وأنها تعيش « أزمنة خطرة على نحو استثنائي «.
ويؤكد معلقون امريكيون أن الحرب الشاملة التي يشنها المحافظون الجدد ضد ترامب تضع الولايات المتحدة فى مواجهة موقف بالغ الخطورة قد يتداعى إلى حرب أهلية !!
ورغم أن ترامب ينتمي إلى طبقة المليارديرات من رجال الأعمال، إلا أن بعض تصريحاته حول الأمور الداخلية أيضا تثير إنزعاج الدولة العميقة والنخبة التقليدية مثل قوله بأن الوطنيين الأمريكيين لم يحاربوا فى عام 1776 للاطاحة بطغيان ملك لكي تحل محله امتيازات القلة، وقوله أن بلاده لن تحقق أي نجاح عندما تعيش القلة حياة هانئة، بينما لا يستطيع ذلك عدد متزايد من الناس، وقوله أن الازدهار الأمريكي يقع على أكتاف الطبقة الوسطى الصاعدة، وأنه لا يعتقد أن الحرية فى الولايات المتحدة تظل تقتصر على المحظوظين، أو أن تكون السعادة من نصيب الأقلية. كذلك لا يشعر المحافظون الجدد باطمئنان عندما يقول ترامب إن الرحلة لن تكتمل حتى تستطيع الزوجات والأمهات والبنات الحصول على دخل يعادل جهودهن، كما أن الرحلة لن تكتمل قبل إيجاد وسيلة أفضل للترحيب بالمهاجرين الذين لا يزالوا يرون فى أمريكا أرض الفرص.
ولا يفوت المحافظون الجدد التوقف عند عبارة لها دلالتها جاءت فى النص المكتوب لخطاب التنصيب الذي وزعه البيت الأبيض، وهي قوله أن « المؤسسة « قامت بحماية نفسها، ولكنها لم تقم بحماية مواطني الولايات المتحدة، وأن التغيير الذي حدث فى إدارة البلاد « يعني إعادة السلطة إلى الشعب « وأن « وقت الكلام الأجوف قد انتهى «، وجاءت ساعة العمل، وأن البنية التحتية للولايات المتحدة قد تصدعت، والصناعة الأمريكية أصبحت متخلفة عن الصناعة الأجنبية.
الحرب الباردة الجديدة
الآن يتراجع بقوة الطرح الامبراطوري الأمريكي ولم يعد الخضوع للهيمنة الأمريكية أمراً ملحاً ومستحباً، ولم تعد أمريكا « القوة الخيرة « و» الحلم « و» قائد العالم الحر « فقد ظهرت تحديات جدية لصورة النموذج الأمريكي فى حقبة أوباما.
لقد جرى « غسل وجه « الامبراطورية، فظهرت فى هيئتها الأصلية : تطرف عنصري تفاوت اجتماعي وطبقي كراهية للآخر احساس مقيت بالتفوق فساد النخبة الحاكمة انهيار الآمال المعلقة على العولمة وقيادة العالم تنافر بين القيم.
ويقال الآن إن المد « الشعبوي « نما فى هذه الزوايا المظلمة.
المفترض أن الحرب الباردة انتهت فى عام 1991، وهناك من يرى أن تلك النهاية كانت فى عام 1989 مع سقوط سور برلين. أما البداية فكانت خطاب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل فى مارس عام 1946 المعروف باسم خطاب « الستار الحديدي « الذي دعا فيه إلى تحالف بريطاني أمريكي لمواجهة السوفيت الذين يفصلهم عن بقية العالم ستار حديدي.
لماذا إذن نواجه حربا باردة جديدة ؟ ومتى بدأت هذه الحرب ؟ هل بدأت مع الحرب الجورجية الروسية فى صيف عام 2008 ؟ أم مع الأزمة الأوكرانية وضم القرم فى مطلع عام 2014 ؟.
الحقيقة أن الحرب الباردة الجديدة بدأت مع إصرار واشنطن على تطوير برنامج الدرع الصاروخية ودعمها لعملية تغيير الأنظمة فى عدد من دول العالم، وتصميم واشنطن على الضغط من أجل تمدد وتوسيع حلف الأطلنطي وتوغله شرقا، ونشر شبكة صواريخ على الحدود الروسية حتى أن الطائرات الأمريكية قامت فى يونيو الماضي بعملية « صائدة الدروع « بهبوط طائراتها فى أستونيا، وهي احدى جمهوريات البلطيق الملاصقة لروسيا.
حدث ذلك رغم أنه لم يعد هناك وجود للاتحاد السوفيتي كما سبق أن تم حل حلف وارسو، ولايوجد دليل واحد على أن هناك تهديداً روسياً للغرب، بل أن روسيا هي التي تسعى باستمرار للتعاون مع الولايات المتحدة.. وتشير آخر التطورات إلى نشر أربعة آلاف ( ويقال ثمانية آلاف ) جندي أمريكي وبريطاني والماني وكندي فى بولندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا.. أي على حدود روسيا.
على الحدود الروسية
والمعروف أنه منذ الانقلاب الذي خططت له امريكا لإسقاط الحكومة الحليفة لروسيا فى أوكرانيا لكي تحل محلها حكومة تابعة للغرب.. والولايات المتحدة لا تكف عن توسيع عمليات نشر قوات عسكرية على طول حدود أوربا الشرقية مع روسيا. ويوجد الآن حوالي 300 ألف 400 ألف جندي من قوات حلف الأطلنطي فى انتظار معركة مع روسيا.
لماذا هذا الإصرار على استمرار الحرب الباردة وربما تحويلها إلى حرب ساخنة ؟ لأن قطاع الصناعات الحربية يريد أن يواصل تحقيق الأرباح الفاحشة من وراء ذلك.
وتكفى الإشارة إلى أن هناك برنامجا امريكيا قيمته تريليون دولار لتحديث الترسانة النووية كما أن تكلفة حصول السلاح الجوي الأمريكي والبحرية الأمريكية على طائرات اف 35 المتطورة التي تنتجها شركة « لوكهيد مارتن « تتجاوز تريليون دولار، وفى عهد اوباما، زادت صادرات الأسلحة الأمريكية إلى العالم بنسبة 27% وتنفق الولايات المتحدة 600 مليار دولار سنويا على التسلح و13 مليارا على شئون دفاعية أخرى. وكل ذلك يصب فى مصلحة شركات انتاج الأسلحة.
فإذا تحدث دونالد ترامب عن تعاون مع روسيا، فإن ذلك يعني نهاية للحرب الباردة وضربة لمنتجي الأسلحة فى أمريكا. ومن هنا التمسك بسياسة خلق التوترات والمواجهات.
واذا أعلن ترامب أن حلف الاطلنطي « عفى عليه الزمن «، فإن ذلك يعني أن الدول الأعضاء فى الحلف لن تظل من زبائن شركات الأسلحة الأمريكية وتواصل شراء أسلحة بالمليارات بذريعة « تحديث جيوشها « لمواجهة « الخطر الروسي « ! وفى هذه الحالة لن تكون هناك ضرورة للاحتفاظ بثمانمائة قاعدة عسكرية أمريكية فى انحاء العالم. وسيواجه صناع الأسلحة الأمريكيون كارثة إذا كان ترامب جاداً فى تساؤله : لماذا ندفع الأموال للدفاع عن أوربا بينما لم يعد هناك خطر سوفيتي منذ وقت طويل ؟!.
فى مهب الريح
سيكون كل شئ فى مهب الريح إذا نجحت حملة ترامب على المؤسسة السياسية الفاسدة التي تهيمن على كل شئ فى الولايات المتحدة، وإذا كان ترامب يعتبر أن الغزو الأمريكي للعراق من أسوأ القرارات فى التاريخ الأمريكي، وخاصة أنه تسبب فى تقويض الاستقرار فى الشرق الأوسط، فإن ذلك يعني إدانة كاملة لهذا الغزو.
وإذا كانت مليارات الدولارات التي يكسبها تجار السلاح الأمريكيون فى خطر، إذا تغيرت السياسة الأمريكية تجاه العالم.. فإنه لابد من الصراخ وافتعال ضجة كبرى والتحذير من « الخطر الآتي من روسيا «، ومن « بوتين العدواني الذي يقف فى مواجهة الغرب وفى مواجهة جيرانه «، ومن « إزدياد جموح بوتين لأن الغرب لايرد على استفزازاته « ومن روسيا « التي ترفض أن تموت فى سلام « !.
وللمرة الأولى منذ نهاية الثمانينيات تعود هذه « الفوبيا « تجاه روسيا، ويتكاثر الحديث فى الغرب حول « أيادي موسكو الخفية « فى تحريك الأزمات، بل وفى صعود اليمين العنصري فى أوربا، وحتى فى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي !
وهناك فى الغرب الآن من يعتقد أن بوتين اختار نموذج « الدولة القوية المركزية «، وأنه يتحدى الغرب ويصنع « استمرارية « لنموذج الدولة السوفيتية ويحرك المشاعر القومية والحنين إلى « الدولة العظمي « ومن هنا يرى هؤلاء أنه كان لابد من سحق روسيا بالكامل وبيع مواردها وتقسيمها وتحويلها إلى شكل فيدرالي وخلق مراكز سياسية مستقلة على أرضها وترك كل منطقة تتطور على هواها !!
المكارثية الجديدة
وما يجري فى أمريكا الآن يعيد إلى الذاكرة ماكان يحدث فى الخمسينيات من القرن الماضي عندما أدت الهستيريا المعادية للشيوعية إلى موجة من القمع السياسي على أيدي إدجار هوفر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، والتحقيقات التي أجراها جوزيف مكارثي مع أصحاب الرأي والكتاب والفنانين للتعرف على طريقة تفكيرهم ومدى ولائهم للنظام السياسي الأمريكي.
ويجري هذه الأيام فى الولايات المتحدة شئ مماثل، إذ يتولى بعض أعضاء الكونجرس ووسائل الاعلام اجراء « تحقيقات « حول « التخريب الروسي « و» العملاء الذين يريدون نشر النفوذ الروسي « (!) وما إذا كان هذا الموقع الالكتروني أو ذاك أو هذه المنظمة أو تلك مجرد واجهة للكرملين !!
نفس طريقة المكارثية التي استخدمت للتشهير بأي شخص يضع موضع التساؤل العداء الذي تكنه « المؤسسة « لروسيا بشكل متواصل.
والهدف من وراء ذلك هو تخريب أي جهد يقوم به ترامب لمحاولة التهدئة أو التعاون مع روسيا وترهيب وتخويف أي مواطن يتمرد على حملة الدعاية المضادة لروسيا.
كما لو كان الزمن يرتد إلى الوراء.
الامبراطورية الامريكية ليست مستعدة لأن تتخلى عن « واجبها « فى مقاومة احتمال تفكيكها، ولن تواجه شبح هذا المصير دون أن تقاتل حتى لايحدث ذلك.
سطوة الاحتكارات
وثمة عنصر مساعد لدعاة الامبراطورية والحرب الباردة والتدخل فى شئون الدول الأخرى، وهو قوة الضغوط التي تمارسها الشركات والبنوك الكبرى والمجمع الصناعي العسكري والبنتاجون والمخابرات والأمن القومي والحزبان الديمقراطي والجمهوري ووسائل الاعلام الكبرى حتى لا تخرج الولايات المتحدة عن الإطار الذي وضعه الرؤساء الأمريكيون السابقون، وخاصة أن « مقاتلي « و» أمراء « الحرب الباردة يشغلون مواقع مهمة فى وزارتي الدفاع والخارجية وأجهزة الأمن ولايكترثون بتجاوز الدين الأمريكي 18 تريليون دولار.
ولن يتسنى تطبيق رؤية ترامب حول إعادة بناء العلاقات مع دول العالم مع وجود الجهاز الإداري والسياسي الحالي، الذي سيقوم بتخريب أي جهد للتوصل إلى علاقات طبيعية مع روسيا، وخاصة فى مجال التعاون للقضاء على الإرهاب.
ولن يستطيع ترامب تنفيذ وعوده ما لم يتحرر من سطوة احتكارات الصناعات العسكرية والصاروخية والالكترونية والنفطية.. بل أيضا من سطوة حزبه الجمهوري واجراء تطهير فى المخابرات الأمريكية التي وصف هو نفسه تصرفاتها بأنها تشبه ما كانت تفعله المانيا النازية.
التغريد خارج السرب
وهناك نقطة ضعف أخرى فى موقف ترامب وهي استعانته بمجموعة متناقضة من الشخصيات فى الادارة الجديدة، بينهم مليارديرات ومفكرين يمينيين وجنرالات سابقين، ومنهم من يتبنى آراء تختلف تماماً عن آراء الرئيس الأمريكي الجديد.
غير أنه مما يلفت النظر أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد « ريكس تيلرسون « صرح بأن جماعة « الاخوان المسلمين « تشكل تهديدا للولايات المتحدة وكانت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي قد وافقت على مشروع قانون فى فبراير الماضي يدرج تلك الجماعة ضمن قائمة المنظمات الارهابية.. ومع ذلك فإن مهمة ترامب تبدو بالغة الصعوبة، ذلك أنه يغرد خارج السرب، وخاصة عندما يصف معارضي إقامة علاقات جيدة مع روسيا بانهم « أغبياء أو حمقى «.
ولا يمكن اغفال أن الرئيس السابق باراك أوباما كان حريصا على زرع الألغام فى طريق ترامب قبل أن يغادر البيت الأبيض، فقد تعمد توقيع عقوبات جديدة ضد روسيا وإبعاد اكثر من ثلاثين دبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة.
ولكي ترى السياسة الجديدة النور، فإن الأمر يتطلب إعادة هيكلة العديد من الأجهزة والمؤسسات الأمريكية، التي أدمنت سياسة إخضاع كل التحركات والقرارات لصالح مجموعة تهيمن على مقدرات الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب خيالية، ولا تتصور أن يكون هناك رئيس فى البيت الأبيض لا يضع نصب عينيه حماية ورعاية مصالحها وامتيازاتها.
مواقف تنتظر المراجعة
القضايا التي أكد عليها ترامب فى خطاب التنصيب تمثل أمورا جوهرية بالنسبة له، وأعنى بها قضايا الارهاب والعلاقات الدولية، ولكن ترامب فى تقدير كاتب هذه السطور لن يستطيع إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لأن هناك دولا أخرى وقعت عليه وتتمسك به، كذلك ربما يجد ترامب وسيلة أخرى لمواجهة مشكلاته مع المكسيك غير بناء ذلك الجدار الذي اعلن أنه يريد إقامته، وقد يجد حلا وسطاً لاتفاقيات التجارة التي يريد إعادة النظر فيها.
أما عن الصين، فإن ترامب لن يستطيع مهما حاول أن يمس أوضاعا استقرت منذ عقود، وتتلخص فى أن هناك صينا واحدة تمثلها جمهورية الصين الشعبية، كما أن الصين أصبحت العنوان الرئيسي لمنطقة جنوب شرقي آسيا بعد أن تخلت دول أسيوية عن علاقتها مع أمريكا لكي تنحاز إلى الصين، ولا مجال للتلاعب أو العبث فى هذا الشأن إجراء اتصالات مع تايوان.
قضية فلسطين
تبقى قضية فلسطين، ولا ينبغي أن ينتظر العرب مكتوفى الأيدي أن يتخذ ترامب وإدارته الجديدة أية خطوة متهورة وطائشة ومعادية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وإذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد اتصل 12 مرة فى الأسابيع الأخيرة لطلب مقابلة مع ترامب حتى ينتزع منه تعهداً يؤكد خطوة نقل السفارة، بينما العرب لا يتحركون.. فإنه من الضروري أن يلتقي عدد من الرؤساء العرب، فى إطار الجامعة العربية، مع الرئيس ترامب لطرح القضية التالية :
إذا كان الرئيس الأمريكي يعتبر أن القضاء على الارهاب يشكل أولوية لديه وهذا هو نفس موقف العرب فإن استمرار الاستيطان والتهويد والاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية طوال خمسين عاماً. وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه فى الحرية والسيادة على أرضه هو أكبر تشجيع للارهاب، وبالتالي فإن إنهاء هذا الاحتلال سيشكل دعماً هائلاً لمعركة تصفية أوكار الارهاب فى المنطقة و.. العالم.
ويجب على ترامب أن يدرك أن إنهاء الاحتلال الاسرائيلي يكفل النجاح فى حرب استئصال جذور الارهاب فى كل مكان، بعد أن أصبحت هذه المنطقة مركز تصدير الارهابيين إلى كل بلاد الدنيا.

التعليقات متوقفه