ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب:مالا يصدق قد حدث

5

من السابق لأوانه، ومعارك المقاومة الفلسطينية مازالت محتدمة مع إسرائيل، أن يتوقع أحد ما سوف تسفر عنه عملية «طوفان الأقصى» من تطورات ومن نتائج على صعيد التسوية السياسية للصراع الفلسطينى– الإسرائيلى، ومن حصد للخسائر التى منى بها الطرفان فى كل من غزة وإسرائيل، ومن تأثيرات مؤكدة على دول الجوار والإقليم . لكن المؤكد أن «الطوفان» الذى أعدت له بمهارة وإتقان حركة حماس هز هيبة إسرائيل، وشكك فى قواها العسكرية الخارقة، وقدرة نظامها الأمنى على التنبؤ بالتهديدات والمخاطر. فضلا عن أنه شكل نقلة نوعية غير مسبوقة فى الصراع بين الطرفين, فتلك هى المرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973، الذى تواجه فيه إسرائيل حربا داخل أراضيها، تنجح فيها “كتائب عز الدين القسام “فى شن هجوم عليها من البر والبحر والجو يكبدها خسائر هائلة، وغير مسبوقة من القتلى والجرحى والأسرى، ويربك مؤسستها العسكرية وحكومتها، بعدما اعتادت منذ تأسيسها، على خوض حروبها العدوانية على أراضى الغير.

نجحت حماس فى تحقيق مالا يصدق، وبعد عقود من فرض الحصار الخانق على غزة ومدن الضفة الغربية، وبرغم الاختلال الكبير الذى تدركه فى ميزان القوى لصالح الطرف الإسرائيلى، نجحت فى إختراق غلاف غزة، الذى يعد خط الدفاع الذى حصنته إسرائيل من كل الجهات بالحواجز الحديدية والإليكترونية والأسلاك الكهربائية الشائكة والخنادق والقبة الحديدية، وتمكنت من احتلال عدد من المستوطنات المدججة بالسلاح، والتى مارس سكانها بدعم من القوى الأمنية الإسرائيلية، أبشع أنواع التنكيل بالفلسطينيين، لتثبت لكل من يهمه الأمر، من قلب هذا الحصار الفاشى الذى جوع الشعب الفلسطينى وأذله، أنها قادرة على أخذ زمام المبادرة، لكى تعيد القضية الفلسطنية إلى واجهة الأحداث، بوصفها قضية تحرر وطنى، من احتلال فاشى عنصرى، مهما ارتكبت إسرائيل من مجازر فى حق الشعب الفلسطينى، وأيا ما كان المدى الذى تستخدمه من إرهاب لا أفق لوحشيته، ورغما عن تصاعد الدعم العسكرى والمالى والسياسى الغربى الأمريكى والأوروبى لاحتلالها!.

ما الذى ينتظره العالم الغربى غير «طوفان الأقصى»، بعد أكثر من سبعين عاما، من الاحتلال، ومن مجازر وتهجير بحق الفلسطينيين واقتطاع للأراضى ومصادرتها لصالح المستوطنين، ورفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تنفيذ اتفاقيات، أوسلو برغم التنازلات التى قدمها الفلسطينيون بالقبول بدولة على حيز صغير من الأرض، وإضعاف السلطة الوطنية التى تديرها، وتعمد إحراجها وإفقادها للثقة مع مواطنيها، وفرض الحصار على غزة، ودعم الإنقلاب الذى قادته حماس بها عام 2007 لتعزير الانقسام الفلسطينى، وضم القدس المحتلة وقيدها عاصمة لإسرائيل بدعم أمريكى، ومد سياسات الاستيطان فى مدن الضفة والقطاع.

لم يكن تباهى نتينياهو فى واشنطن وفى هيئة الأمم المتحدة، وهو يرفع خريطة لا وجود فيها لفلسطين، بأن التسوية مع الفلسطينيين لا ضرورة لها، بعدما أصبح على بعد خطوات، من قضم الجائزة الكبرى بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وبعد أن منحته دولا عربية أخرى هدايا مجانية دون مقابل، بتطبيع العلاقات معه، لم تسفر إلا عن مزيد من التشدد الإسرائيلى، غير تأكيد على سياسته الساعية لمحو القضية الفلسطينية من جدول أعمال العالم؟!.

لن تفلح حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل الآن لتدمير غزة ووضع شعبها فى اختيارت قاتلة إما الغرق بحرا أو إلى الهروب برا إلى مصر بمساعدة من البوارج الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية، وبالدعم الغربى لما يسمونه حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، فى وقف الشعب الفلسطينى عن المطالبة بحقه المشروع فى دولة مستقلة تقرها القوانين والقرارات الدولية.وتخطئ إسرائيل، بصلفها المعهود، وهى تظن أن إنكارها للتاريخ والجغرافيا، وتفوقها العسكرى سوف يظل يحمى تنصلها من الاعتراف بتلك الحقوق، .وهذا أول الدروس التى يطرحها طوفان الأقصى على الدولة العبرية، أن الاستخفاف بقدرة الشعب الفلسطينى على تقديم التضحيات الهائله لنيل حقوقه، بات خطرا على أمنها.

أفشلت روسيا فى مجلس الأمن المحاولة الأمريكية لاستصدار قرار جماعى بإدانة حماس وعملية طوفان الأقصى. وفى المؤتمر الصحفى بينه وبين الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط فى موسكو، قال وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» إن السياسة التى تنتهجها الولايات المتحدة تدميرية، تعمل على إحباط الجهود الجماعية ضمن اللجنة الرباعية الدولية، التى تضم الأمم المتحدة وروسيا والولايات والمتحدة والاتحاد الأوروبى، بإعتبارها الآلية المعترف بها لتنفيذ قرارات مجلس الأمن. والهدف أن تحتكر واشنطن جهود الوساطة، بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإبعاد تلك الجهود عن التسوية السياسية وإقامة الدولة الفلسطينية.

وهنا يأتى الدرس الأهم من طوفان الأقصى المتمثل فى أن إنفراد الولايات المتحدة بالوساطة لن يفضى إلى شىء، وأن عودة مسار التسوية السياسية إلى هيئة الأمم المتحدة بات هو الخيار الوحيد لوقف البلطجة الإسرائيلية، وأن ذلك لن يكون ممكنا بغير وحدة كل الفصائل الفلسطينية التى تستعيد بها منظمة التحرير الفلسطينية هيبتها وقدرتها على التأثير، بعدما نجح الانقسام فى تكبيد القضية الفلسطينية خسائر فادحة، حولتها من قضية حقوق وطنية مشروعة تحظى بدعم وتأييد قوى التحرر العالمية، إلى مجرد قضية إنسانية، وصراع بين اليهود والمسلمين، فضلا عن صراع لا يتوقف بين فصائلها، أدمى بدوره الشعب الفلسطينى، وحرمه قيادة موحدة لمواصلة نضاله الأبدى الجسور لنيل حقوقه المشروعة. الاحتلال هو الأصل وتلك هى المسألة.

التعليقات متوقفه