الغموض يكتنف مقتل رئيس فاجنر..هل حدث التفجير من داخل طائرة بريجوجين أم من خارجها؟

1

 

وفقاً للرواية الرسمية لقى رئيس فاجنر يفجينى بريجوجين مصرعه فى حادث طائرة، وتمت عملية الدفن فى مسقط رأسه بمدينة سان بطرسبورج. وهنا أشير إلى فاجنر، هل هى كانت شركة على غرار بلاك ووتر الأمريكية، أم أن هذه الأخيرة لا ترقى إلى مستوى فاجنر التى كانت تقوم بأعمال عسكرية كبيرة وضخمة، أما بلاك ووتر فإنها كانت تعمل فى نقل الأموال بمناطق الاضطرابات أو الدول غير المستقرة أو حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية، فى مناطق غير مستقرة مثل العراق وأفغانستان، واقتصر دورها على ذلك فلم تشارك فى عمليات عسكرية إلى جانب الجيش الأمريكى، واستغنى الجيش الأمريكى عن خدماتها عندما تسببت له فى مشاكل، كما أنها كانت شركة خاصة لا علاقة للدولة الأمريكية بها بل كانت فقط تستأجرها أو تستعين بخدماتها للحراسات، بينما نشأت فاجنر فى حضن السلطة وللدقة فى قلب المخابرات العسكرية الروسية وتلقت دعمها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من السلطات الروسية الرسمية بعد اعتراف الرئيس بوتين نفسه بذلك عقب تمرد فاجنر.

تبنت فاجنر خطابًا وطنيًّا متطرفًا مزايدًا على القيادات الروسية كافة، بحيث إن قائدها بريجوجين أوهم الرأى العام أنه الوطنى الأوحد فى روسيا واكتسب شعبية كبيرة بهذا خطاب، خاصة أن البلاد تخوض عملية عسكرية فى تقدير خبراء يتوقف عليها الكثير فى روسيا، وهى لا تقبل القسمة على اثنين بالنسبة لموسكو، من هنا كان خطاب بريجوجين المزايد على السلطة وكأنه أكثر حرصاً منها على البلاد، جعله محط أنظارها، وعدم الرغبة فى وجوده على الساحة لأنه سيجعل أى محاولة لإيجاد حل توافقي لأزمة أنهكت الجميع محل شك ومزايدات، وهو هنا على قدم المساواة مع القوميين الأوكران الذين جعلوا الرئيس الأوكرانى زيلينسكى كما الببغاء يردد ما يردده التيار القومى المتطرف فى أوكرانيا ولا يستطيع اتخاذ أى قرار فيه شيء من المرونة.

لكن هناك من قارن بريجوجين بجيفارا، عندما ذهب إلى أفريقيا وجعل لروسيا نفوذًا، واستحضر البعض قرار جيفارا بالسفر إلى الكونجو فى الستينيات، ومن بعدها بوليفيا حيث لقى مصرعه هناك على أيدي عناصر من المخابرات الأمريكية، لكن الفارق بين الرجلين كبير، حيث كان جيفارا يحارب على أساس فكرة وأيديولوجية، بينما كان للسيد بريجوجين يقاتل من أجل ثروات ومن أجل نفوذ روسى وفى إطار صراع مع دول أخرى هو لا يختلف عنها أيديولوجيًّا، ولا أريد مقارنة فاجنر بالقاعدة أو تنظيم الدولة التى أقسم بريجوجين بأنه سيقضى عليهما فى منطقة الساحل الأفريقية، فهذه تنظيمات عقائدية وليس لها علاقة بدول ولم تمول من وزارات دفاع أو حكومات وكانت العقيدة هى الأساس وهى نقطة الخلاف للقتال لهذا الطرف أو ذاك، بالإضافة إلى أن القاعدة وتنظيم الدولة ناصبا كل العالم العداء فى حين دولة مثل روسيا بكل ثقلها كانت تقف خلف فاجنر، وإن كانت تخلت عنه عندما تعرض لقصف من مسيرات أمريكية فى سوريا، لكن فى اعتقادي أن الهدف من فاجنر فى الأساس هو تجنب الصدام المباشر مع واشنطن، ولهذا فإن تخلى القوات الروسية فى سوريا عن فاجنر كان منطقيًّا ويتماشى مع السياق الذى أنشئت من أجله فاجنر.

عدت بالذاكرة إلى الماضى وأنا أشاهد، العملية المخابراتية لتشييع جثمان زعيم فاجنر، فقد تحددت ثلاثة أماكن لمواراة جثمان بريجوجين الثرى، ودفن فى مكان آخر تماماً لم يعلن عنه من قبل، وحتى أخر لحظة لم يعرف محبو ومريدو الرجل الذى وصفوه بأنه وطنى حقيقى، أين سيدفن لكى يشيعوه بالطريقة التى يستحقها كما قالوا، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، رغم أن الرجل حاصل على ميدالية “بطل روسيا” وحاصل على ميدالية بطل جمهورية دنيتسك الشعبية وجمهورية لوجانسك الشعبية بالدونباس، واللتان التحقتا بروسيا بعد العملية العسكرية وله دور فى السيطرة على القرم ودور فى العمليات فى سوريا هذا بخلاف أفريقيا.

عملية سقوط طائرة بريجوجين يكتنفها الكثير من الغموض، لدرجة أن بعض الدول الخارجية مثل البرازيل طلبت الاشتراك فى التحقيقات لمعرفة أسباب سقوط الطائرة لكن روسيا رفضت وقالت إن الحادث وقع فى روسيا والتحقيقات ستقوم بها السلطات الروسية وستنشر نتائجها فى حينها. وإذا كانت أسباب مصرع بريجوجين واضحة للسلطات الأمنية، إلا أن هناك الكثير من الأسئلة تحتاج إلى إجابات مثل أولاً: لماذا تجمع هذا العدد من قادة فاجنر على طائرة واحدة وهذا يخالف كل القواعد الأمنية، أمر مثل هذا لم يحدث من قبل، وبريجوجين، الحريص أمنيًّا ولديه بدائل وملابس تنكر وعدد من جوازات السفر بأسماء مختلفة، ما كان ليسمح بذلك، ماذا حدث فى ذلك اليوم؟ سؤال يحتاج إلى إجابة.

ثانيًا: لماذا ظلت السلطات متشككة لفترة طويلة فى احتمالية وجود بريجوجين على متن الطائرة، رغم أن المطار الذى أقلعت منه الطائرة ملئ بالكاميرات التى تصور كل حركة وكل شخص داخل مبنى المطار، وكان يمكن للسلطات بمراجعة بسيطة لما التقطته الكاميرات أن تعرف من صعد للطائرة.

ثالثاً: أربعة أشخاص كان من المفترض أن يكونوا على متن الرحلة الخاصة التى ستقل بريجوجين وهم من الحراس الشخصيين لرئيس فاجنر وهم توتمين وماكاريان وماتوسييف وبروبوستين، انقطع الاتصال بهم قبل ساعة من تحطم الطائرة، سؤال بعلامة استفهام كبيرة هل هناك ثمة خيانة من المحيطين بالسيد بريجوجين؟.

وكما عرف فيما بعد هؤلاء الأربعة وصلوا من سان بطرسبورج إلى موسكو يوم 17 أغسطس، قضوا الليل فى العاصمة موسكو، وغادروا إلى أفريقيا يوم 18 أغسطس، سفر المجموعة جرى برحلة عادية، لكن هل كان بريجوجين معهم لا أحد يعرف، بعد وصولهم لإحدى الدول الأفريقية (لم يذكر المصدر اسم الدولة لكن البعض يقول مالى) وأجروا اتصالات مع أقاربهم وقالوا إن كل شيء على ما يرام، لكن لأسباب غير معروفة انقطع الاتصال بهم منذ 22 أغسطس وتجدد فقط يوم 23 من نفس الشهر حوالى الساعة الواحدة ظهراً بعد ظهور أول معلومات عن عودتهم من أفريقيا.

عند عودة توتمين أحد حراس بريجوجين، كان على اتصال كتابى مع زوجته وتحدث عن أنه مرهق بعد رحلته الأفريقية واتفق مع زوجته على الخروج لقضاء السهرة فى مكان ما، لكن مع الساعة الخامسة وخمسين دقيقة مساءً انقطع الاتصال، للتذكرة الطائرة إمبراير 135 بى جى ليجانسى التى كانت تقل بريجوجين سقطت الساعة السادسة وتسع عشرة دقيقة مساءً.

فى الفترة الأخيرة كان بريجوجين يتنقل بواسطة طائرة خاصة من طراز هاوكير ـ 300، نظرًا لأن الطائرة إمبراير 135 كانت فى الإصلاح والصيانة وضمن أعمال الصيانة كان يجب تغيير التكييف الذى تعطل يوم 18 يوليو، عملية الصيانة كانت تقوم بها شركة “جيت فليت سيرفس”. بسبب العقوبات المفروضة على روسيا البحث عن جهاز تكييف استغرق وقتاً وتم شراؤه بحوالى 7 ملايين روبل، كان يشرف على الإصلاح أرتور مينتشينكوف المدير الفنى للشركة، وتم تركيب التكييف يوم 19 أغسطس.

يقول بعض المحللين إن الطائرة التى أقلت بريجوجين وقفت فى الأرض المفتوحة بالمطار لفترة طويلة ولم تدخل المكان المغطى (الهانجر) سوى عندما بدأ العمل فى تركيب التكييف الجديد، مع أن إيجار المكان المغطى بالمطار 500 يورو فى اليوم وهو مبلغ ليس كبيرًا لمثل هذه الشركات. فى 20 أغسطس كان الطائرة إمبراير جاهزة للطيران.  ماذا حدث للطائرة وهى تقف منتظرة فى أرض مفتوحة لا أحد يدرى، لمعرفة ذلك سيكون على المحققين دراسة وتفريغ ما التقطته كاميرات المراقبة فى الفترة من 19 أغسطس حتى إقلاع الطائرة فى 23 أغسطس.

لكن البعض يتحدث عن أنه ليس بالضرورة أن تكون القنبلة قد وضعت والطائرة متوقفة، لكن هذا من الممكن أن يحدث أثناء تركيب جهاز التكييف، وفى هذه الحالة لم يكن مسموحًا لأحد بالتواجد فى الطائرة سوى ثلاثة أفراد وهم المهندسون المعنيون بتركيب جهاز التكييف، فى هذه الحالة عدد من يمكنهم وضع قنبلة محدود للغاية.

لكن اليوم يناقش الخبراء فرضية أن القنبلة كانت موجودة داخل جهاز التكييف، غير أن البعض الآخر يتشكك فى تلك الرواية على اعتبار أن المكان لا يسع لقنبلة ويشير بعض العارفين إلى أنه من الممكن تثبيت المادة المتفجرة فى أى مكان بداخل الطائرة دون صعوبة، كما أن الخبراء اعتبروا عملية تشغيل ساعة توقيت التفجير فى جهاز التكييف صعبة، نظراً لأنه لا أحد يستطيع معرفة قبل كم من الطيران سيتم تشغيل التكييف، ومن هنا كان من الممكن أن تنفجر القنبلة والطائرة جاثمة على الأرض وهذا غير مطلوب.

لحظة أخرى مثيرة للاهتمام، فقد دخل للطائرة شخصان يمثلان شركة “روس جيت” حيث كانت الشركة ترغب فى شراء الطائرة، رافق الضيفين مساعد الطيار ويدعى روستام كريموف. هنا أيضاً ما يثير الشكوك، فوفق المعلومات كانت طائرة بريجوجين معروضة للبيع، لكن المشترين الذين حضروا قبل إقلاع الطائرة كان من المفترض أن يحضروا يوم 19 أغسطس لكنهم لم يتمكنوا من فحص الطائرة حيث كانت عملية تغيير التكييف تجرى واستغرقت اليوم بأكمله، فاقترحوا عليهم يوم 23 أغسطس، ورحلة الطائرة كان مخططاً لها يوم 22 أغسطس، أما أن الرحلة تأجلت ليوم 23 فقد عرف فيما بعد، بمعنى أن طائرة بريجوجين ما كان يجب أن تكون فى مطار شيرميتوفو فى يوم الحادث، لماذا تم تحديد يوم لفحص الطائرة بهدف الشراء إذا كان معروفاً مسبقاً أن الطائرة لن تكون موجودة.

سؤال هام يطرح نفسه أيضاً، أين ذهب الطيار الشخصي لبريجوجين ونائب رئيس شركة الطيران والشريك فيها والذى غادر إلى الشرق الأقصى الروسى إلى كامتشتكا، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره، وعندما استجوبت السلطات الأمنية شقيقه لم يستطع تفسير الأمر، وقال إن شقيقه فى رحلة (بيكنيك) والاتصال منقطع به، على أى حال كل يوم تظهر أشياء جديدة غريبة ليس لها تفسير، ويبدو أن الأمور تسير فى اتجاه طريق مسدود ولن تتوصل التحقيقات لأى شيء.

هذا من ناحية وجود قنبلة على متن الطائرة، لكن هناك فرضية تحدثت عنها فى المقال السابق هى أن الطائرة ضربت بوسائل دفاع جوى حيث كثيراً ما تغير مسيرات أوكرانية على العاصمة موسكو وتتعامل معها وسائل الدفاع الجوى الروسية وتسقطها وطائرة كهذه يبدو أنها أقلعت ولم تأخذ فى الاعتبار هذا العامل المستجد. لكن المؤكد، ورغم عدم تصديق أصدقاء بريجوجين أنه لقى مصرعه، ولن يظهر مرة أخرى، والشيء الآخر الأكيد أن الدولة الروسية ستطوى هذا الفصيل (فاجنر) تحت جناحها وسيقوم بتمويله أيضاً رجال أعمال روس، لكنهم لن يزايدوا بوطنيتهم على طريقة بريجوجين، وإلا المصير معروف.

 

التعليقات متوقفه