لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب:هجرة المساخيط..قصة قصيرة

10

رَصَدتَ وحدة مكافحة الهجرة غير الشرعية مركبا يتحرك داخل المياه الإقليمية المصرية فى البحر المتوسط فى اتجاه الجانب الآخر. على مسافة، بدا شكل المركب غريبا: فلا هو سفينة صيد، ولا هو سفينة بضائع، ولا هو سفينة ركاب! للوهلة الأولى، افترض رجال الوحدة أن الجسم العائم هو أحد مراكب الموت، التى صارت ظاهرة متكررة فى السنوات الأخيرة. وبتدقيق الملاحظة، اتضح لهم جسم هائم عائم على سطح الماء، ولم يروا على ظهره أى أثر للبشر. تصورت وحدة خفر السواحل أن المركب ربما يحمل شحنة مخدرات أو أسلحة أو يعمل فى تهريب معاش المصريين من سولار وبنزين وأرز وسكر… إلخ. هذا بالتأكيد تهديد لأمن وسلامة البلاد. على الفور، تـم إعلان حالة الاستنفار القصوى واستدعيت الزوارق السريعة المسلحة لمطاردة الهدف الهائم في البحر والتعامل معه.

عندما اقتربت الزوارق السريعة من الجسم الهائم، بدت على ظهره كُتَلٌ تشبه الصناديق الكبيرة. أطلقت الزوارق طلقات تحذيرية، وطلبت من الهدف التوقف إعمالا لحق الزيارة والتفتيش فى المياه الإقليمية طبقا للقانون الدولى البحرى. على ظهر المركب الهائم، بدأ أشخاص يخرجون من صناديق كرتونية ويقفون صفا واحدا. س: من أنتم؟ ج: نحن عائلة واحدة. أنا مائتان.. وأنا مائة.. وأنا خمسون.. وأنا عشرون.. وأنا عشرة.. وأنا خمسة.. وأنا واحد، لكن اسم الشهرة اللحلوح أو المسخوط. تبادل رجال البحرية المصرية النظر، وانعقدت ألسنتهم من هول المفاجأة: عائلة الجنيه المصرى قررت النزوح الجماعى من المحروسة. وها هم كل أعضائها من أكبرهم إلى أصغرهم ضُبِطوا متلبسين. كانوا هائمين على وجوههم فى عرض البحر، فى محاولة يائسة للهجرة غير الشرعية!.

اقتادت القوة البحرية عائلة الجنيه إلى ميناء الإسكندرية، وتم تحرير محضر بالواقعة وتسليم المتهمين إلى السلطات المختصة لاتخاذ الاجراءات القانونية.

وأمام وكيل النائب العام الذى تولى التحقيق، اعترفت العائلة بمحاولة القيام بهجرة غير شرعية. رفضوا توكيل محام للدفاع عنهم، وأصروا على الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. وكيل النيابة، س: طبقا لمعلوماتنا، هناك فرد منكم غائب هو المعدنى. فهل هو هارب؟ العائلة، ج: لا. هو ليس هاربا، إنما هو ضحية الاختفاء القسرى. وكيل النيابة، س: لماذا تقولون أنه اختفى قسريا؟ هل شارك في مظاهرة بدون ترخيص أو نشر شائعات لإثارة البلبلة بين العباد أو أبدى رأيا مخالفا للسلطات في شئون البلاد؟ العائلة، ج: لا يا باشا. لكن عرفنا أنه راح ضحية «قانون جريشام». وكيل النيابة، س: جبتم الكلام ده منين؟ أنا رجل قانون وعارف شغلى كويس، لا يوجد لدينا قانون بهذا الاسم. وأصدر أمرا بـ«ضبط وإحضار» المتهم المعدنى الهارب!.

جاء فى حيثيات دفاع عائلة الهجرة غير الشرعية عن نفسها أنها تعرضت لإهانة كبيرة وصدمة عنيفة من تصرفات رب الأسرة. قالوا: رب الأسرة بالنسبة لنا هو البنك المركزى. وهو الذى أصدر لنا شهادات ميلادنا. وهو المسئول عنا طبقا للقانون رقم 194 لسنة 2020. فطبقا للمادة 6 «يهدف البنك المركزى إلى سلامة النظام النقدى والمصرفى واستقرار الأسعار…». وطبقا للمادة 7 يقوم البنك «بإصدار أوراق النقد وتحديد فئاتها ومواصفاتها…». وهو المسئول عن المحافظة على قيمتها. وقد فَرَّطَ المركزى فى القيام بوظيفته وإنحاز انحيازا صارخا ومهينا للدولار الأمريكى على حسابنا، فأفقدنا قيمتنا وأضاع هيبتنا. وبقرارات التعويم المشئومة، هوى سعرنا أمام الدولار إلى حوالى رُبْع ما كانت عليه في زمن الجمهورية القديمة. أبونا المركزى يا باشا تخلى عنا، ومن حقنا أن نهاجر. عندئذ أصدر قاضى التحقيق أمرا بإخلاء سبيلهم بضمان محل الإقامة، وبضبط وإحضار المركزى. وفى انتظار مثوله أمام النيابة لإجراء التحقيق.

التعليقات متوقفه