انقلاب النيجر: نقطة مفصلية في الصراع على أفريقيا

2

كتب: مارك مجدي

 

رغم شيوع الانقلابات العسكرية في أفريقيا، وفي الغرب بالأخص، لأول مرة منذ فترة طويلة يشهد بلد فقير مثل النيجر انقلابًا اكتسب أهمية عالمية.

أطاح جيش دولة النيجر عبر انقلاب عسكري بحكومة البلاد، مما مهد الطريق لمواجهة جديدة مع الغرب. عانت النيجر مثلها مثل معظم الدول في غرب إفريقيا  من نفوذ للقوة الفرنسية الاستعمارية، الاقتصادي والعسكري والسياسي.

لهذا السبب اكتسب الانقلاب شعبية في النيجر، فقد خرجت تظاهرات في أنحاء البلاد تطالب بإنهاء الوجود الفرنسي، وترحب بالتواجد الروسي المضاد، وهو ما عَبَر عن المناخ السياسي الذي يتحرك فيه الانقلاب، حيث المزاج الشعبي يميل لرفض النفوذ الفرنسي، في دولة تعاني من نشاط ملحوظ وتهديد حقيقي من المنظمات الإرهابية.

لم يكن هذا الانقلاب ممكنًا لولا الوضع الجيوسياسي العالمي الذي يشهد تنافسًا بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، أتاح هذا الوضع مساحة سياسية وخيارات متنوعة للدول الأفريقية، تساهم في تقليص خضوعها للهيمنة الغربية. ويبدو أن النيجر، تلك الدولة الفقيرة والممزقة بالحروب، رغم ثرائها بالمواد الخام، أصبحت أحد نقاط التنافس الجديدة بين الشرق والغرب.

كانت دول أفريقيا مرتعًا للنفوذ الغربي حيث اضطرت العديد من الدول الأفريقية الفقيرة وغير المستقرة إلى الاعتماد على  مستعمريها السابقين، وكذلك الولايات المتحدة، عبر أشكال مختلفة من المساعدة. بالأخص خلال حقبة ‘الحرب على الإرهاب’، عندما هددت الحركات الإرهابية أمن غرب أفريقيا.

تنتشر القوات الفرنسية والأمريكية في غرب أفريقيا نتيجة للتهديدات الأمنية المتواصلة، ومع هذا الوجود فُرضت على هذه الدول الشروط السياسية والاقتصادية الفرنسية بالأخص، وهو ما مثل شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد.

لكن هذا السياق قد تغير مع اندلاع المنافسة الجيوسياسية بين الدول الكبرى، ولم تعد النيجر مجبرة على الامتثال للشروط الفرنسية، وهو ما كان سببًا رئيسيًا في أن يتحرك قادة الانقلاب الجديد.

تستخدم دول أفريقية قوات فاجنر الروسية في بعض من الملفات الأمنية عوضًا عن طلب المساعدة الغربية. وعلى الصعيد الاقتصادي، تمثل مبادرة الحزام والطريق ملاذًا اقتصاديًا هامًا ، بالإضافة للدور الصيني في منح التمويل، بديلًا عن البنك والصندوق الدوليين.

في حالة النيجر، اكتسب الجيش دورًا سياسيًا نتيجة الاضطرابات الأمنية من البداية، وفي ظل هذه الظروف، أصبح تدخل الغرب عسكريًا لمنع الانقلاب أمرًا له الكثير من العواقب، سواء تدخلت فرنسا عبر قوات الإيكواس أو بشكل مباشر، لن يمر هذا التدخل بسلاسة. وهو ما أوضحه تصريح لمسؤول أمريكي الأسبوع هذا الأسبوع الذي قال أن هناك فرصة ضئيلة للرجوع عن الانقلاب العسكري وإن الموقف الدبلوماسي والعسكري الأميركي هناك يتوقف على ما إذا كانت الحكومة المنتخبة ديمقراطيا ستعود إلى السلطة في الأيام المقبلة.

بالطبع لوحت الإيكواس بالتدخل العسكري بعد انقضاء مهلة الأسبوع التي أعطتها لعودة الرئيس المنتخب إلى السلطة.

لكن على امتداد العام السابق، استغلت الحكومات والجيوش الوجود الروسي والصيني والتراجع الفرنسي لتنهي الوجود العسكري الفرنسي داخلها بالفعل، خرج الجيش الفرنسي مجبرًا من كل من مالي وبوركينا فاسو. يبدو أن النيجر هي التالية، مع ذلك، تظل احتمالات نشوب حرب أهلية مدعومة من فرنسا واردة.

أكدت كل من نيجيريا والسنغال دعمها لإيكواس في الإجراءات التي ستتخذها ضد انقلاب النيجر، وعلى صعيد أخر حذرت كل من مالي وبوركينا فاسو من أي تدخل عسكري في النيجر من قِبل قوات الإيكواس.

كما أكدت  إيكواس على لسان أحد مسئوليها أن التدخل العسكري بالنسبة للمنظمة هو “أخر الحلول”، أي أن هناك إجراءات أخرى ستتخد ضد النيجر قبل أن يكون التدخل العسكري واردًا، منها العقوبات الاقتصادية.

في حال تدخل إيكواس عسكريًا عبر دول داعمة مثل نيجيريا والسنغال، وفي ظل دعم بوركينا فاسو مالي العسكري للانقلاب وبوجود قوات فاجنر في الخلفية من جانب، ستصبح مالي بؤرة لصراع إقليمي ودولي بالغ الخطورة والتأثير.

سيناريو مقترح لحل الأزمة دون تدخل عسكري صرح به  “أولوسي أديبايو”، خبير الأمن والاستخبارات:” حسب فهمي الخاص، لن تتراجع نيجيريا وستفعل كل ما يلزم لإعادة النيجر إلى الحكم المدني”، وأضاف: “أنهم يريدون عودة السلطة إلى الرئيس المعزول ولكن من المحتمل ألا تكون هذه نتيجة ممكنة. قد يضطرون إلى تقديم تنازلات عن طريق جعل المجلس العسكري يترك السلطة، ويمكن لشخص محايد أن يأتي لإدارة حكومة انتقالية”.

لكن يبدو أن قادة الانقلاب عازمون على توجيه مصير البلاد نحو مسار مختلف، حيث لم يحاولوا التفاوض، وقرروا غلق مجال النيجر الجوي مع انتهاء مهلة الإيكواس لإنهاء الانقلاب، وهو ما يعني أنهم مستعدون للحرب، بعد طلب العون من كل من فاجنر ومالي وبروكينا فاسو وغينيا.

إذا لم يكن الحل الوسيط ممكنًا، وقررت الإيكواس التدخل، ستكون نيجيريا هي مقدمة الهجوم، لكن نيجريا تواجه تحديات على الجبهة الداخلية، حيث كافح جيشها مع جماعات مسلحة احترافية  قتلت الآلاف في العام الماضي في جميع أنحاء المناطق الشمالية والوسطى في البلاد.

يقول  “بيلو تانجازا”، وهو من سكان تانجازا في ولاية سوكوتو الشمالية:” يعاني الجيش النيجيري من مشاكل داخلية في نيجيريا، لديهم قطاع طرق، لديهم بوكو حرام-لكنهم فشلوا في معالجة هذه المشاكل ويريدون القفز إلى النيجر”.

قد يؤدي التدخل العسكري بقيادة نيجيريا إلى تحويل الانتباه عن الجماعات المسلحة التي تدخل البلاد أحيانًا عبر الحدود التي يسهل اختراقها مع النيجر. كذلك، ليس من الواضح كيف ستبدو إستراتيجية التدخل العسكري في النيجر غير الساحلية.

يبلغ عدد سكان النيجر 25 مليون نسمة ، وهي ثاني أكبر دولة في غرب إفريقيا من حيث مساحة اليابسة ، وتمتد على مساحة 1.26 مليون كيلومتر مربع، أي أنها دولة كبيرة لا تقارن بغامبيا التي تدخلت فيها قوات الإيكواس عام 2017. قوات النيجر العسكرية تلقت تدريبات أمريكية متميزة، وهي بالتأكيد ستكون مدعومة بخبرات روسية حال نشوب الحرب.

في حال نجاح الانقلاب، ستتقارب السلطة الجديدة مع روسيا، التي سصبح الضامن الجديد والشريك الأمني البديل عن فرنسا في مواجهة الحركات الإرهابية، بالإضافة لدور صيني اقتصادي كبير، لا يتطلب التدخل في الشئون الداخلية.

كل ذلك ينبع من أهمية النيجر الإستراتيجية،  رغم كونها دولة غير ساحلية وفقيرة في وسط الصحراء، تمتلك النيجر مخزونًا كبيرًا من الموارد الطبيعية ، بما في ذلك اليورانيوم والفحم والذهب وخام الحديد والقصدير والفوسفات والبترول والموليبدينوم والملح والجبس. وإمداداتها من اليورانيوم هي من بين أكبر الإمدادات في العالم ، وهو أمر بالغ الأهمية للطاقة النووية بالأخص في فرنسا.

ولهذا السبب  فإن فرنسا ليست على استعداد للتخلي عن النيجر دون قتال، وقد يلوح في الأفق حرب وكالة محتملة. إذا هزمت المصالح المدعومة من الغرب في البلاد، فإن خسارة فرنسا للنيجر تصبح فادحة من حيث الموارد التي تمتلكها، ومن المحتمل أن يكون الرابح الأكبر في هذا الصراع هي الصين التي ستحصل على شريك تجاري لديه الكثير من المواد الخام التي يحتاجها التنين الأحمر.

التعليقات متوقفه