لقطات..د.جودة عبدالخالق:الحوار الوطنى ومخاطر الاختطاف

3

قلت في مناسبات سابقة إن الحوار الوطنى الذى بدأناه منذ عام تقريبًا تجربة جديدة علينا. منطقه المقاربة، وليس المغالبة. وأطرافه القوى الوطنية، ولا مكان فيه لغير هؤلاء. وغايته إصلاح حال البلاد والعباد. وأتمنى أن نستكمله بنجاح، بجهودنا جميعًا ولخيرنا جميعًا. هو عملية أخذ وعطاء، تبادل للرؤى والأفكار ووجهات النظر. هو جدل كبير وخطير يتم بشكل تشاركى حول الأولويات، وليس الاستغراق في التفاصيل الكثيرة أو الانشغال بالمشكلات الصغيرة. نهايته المرتقبة أن نتحول نحن المصريون جميعًا من رعايا إلى مواطنين، وخاتمته أن يصبح الشعب المصرى هو “السيد في الوطن السيد”، كما جاء نصًا في ديباجة دستور 2014. وعليه، فإن مسار الحوار معقد وطويل، وهو بحق مشوار الألف ميل. وما قطعناه حتى الآن هو الخطوة الأولى.

ورغم كل دعاوى التشكيك في جدية الحوار وجدواه، فقد تحمست له منذ البداية. وأعلنت في يوليو الماضى عند قبولى عضوية مجلس أمناء الحوار، ردًا على المشككين والمتشككين، أن الحوار فرصة لا يجوز أن نضيعها وعملية يجب على كل وطنى أن يستميت لإنجاحها. وكان موقفى الايجابى هذا إيمانًا منى بأهمية الحوار في تلك اللحظة التاريخية، وتقديرى أنه يمكن أن يؤدى الى حلحلة الأوضاع الصعبة والبائسة التى تعيشها المحروسة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. ولكنى أيضًا أكدت في حينه، وأعدت التأكيد أكثر من مرة، أن هذا الموقف سيكون تحت المراجعة المستمرة، ويمكن أن يتغير في ضوء المستجدات. تحديدًا، قلتُ إنه إذا ظهرت تطورات تؤكد أن الأمر ليس جادًا، فسوف أعلن ذلك على الملأ وأنسحب آسفًا، ولكن بضمير مستريح. والآن، فقد بدأ يساورنى شك حول جدية الحوار. صحيح أنه لم يبلغ بعد حدَّ اليقين، لكنه يتزايد.

واليوم، ينتابنى قلق كبير على مصير الحوار ومآله. وأجد من واجبى أن أحذر من مخاطر عديدة على طريق الحوار. فهناك من يحاول الالتفاف عليه. وهناك من يسعى لإجهاضه. وهناك من يُدَبِّر لاختطافه. لماذا يساورنى القلق الآن على مستقبل الحوار؟ السبب هو تلك الشواهد التي توحى بأن عديدًا من الأطراف المشاركة في هذا الحوار ليست حريصة بالقدر المطلوب لإنجاحه. فالحكومة من جانبها تتخذ إجراءات على الصعيد الاقتصادى والصعيد السياسى تزيد من إرباك المشهد وتدفع الأمور في اتجاه اللاعودة، بحيث يصبح ما سيسفر عنه الحوار الوطنى غير ذي جدوى. وفي المحور الاقتصادى الأمثلة كثيرة. لكن سأكتفى فقط بذكر إجراءات مثل تعويم (أقصد تغطيس) الجنيه، واتخاذ قرارات غير مدروسة تجلب المشكلات لخلق الله جميعًا: مستثمرين ومنتجين ومستهلكين. وفى المجال السياسى، هناك تباطؤ واضح في الإفراج عن المحبوسين لأسباب تتعلق بحرية الرأي والتعبير ومقاومة واضحة لإصلاح النظام الانتخابى بالأخذ بنظام القائمة النسبية.

وعلى الصعيد المجتمعى، فرغم أن موضوع الجمعيات الأهلية مدرج بالفعل على جدول أعمال الحوار الوطنى، إلا أننا فوجئنا بعرض مشروع قانون على البرلمان بإنشاء ما يسمى التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى. وطبقا لرأى أحد الخبراء، فإن الكيان المستحدث بمشروع القانون ليس تحالفًا جامعًا للمنظمات الأهلية كما يوحى اسمه، بل جهاز حكومي رقابى وتنفيذى واستثمارى في آن واحد. ومعلوم أن الباب الثامن في قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى رقم 149 لسنة 2019 يتضمن مواد تسمح بتشكيل اتحادات نوعية أو إقليمية بين الجمعيات أو اتحاد عام للجمعيات الأهلية. وبالتالي فإن الإسراع بتقديم مشروع قانون التحالف الوطنى المذكور يعد مصادرة على النقاشات التي ما زالت جارية في إطار المحور المجتمعى للحوار الوطنى.
وختامًا، فأخشى ما أخشاه هو أن ينتهى الحوار الوطنى كما انتهى المؤتمر الاقتصادى. لكن هذه المرة سيكون الخطر كبيرًا على الاستقرار السياسى والاجتماعى للبلاد.

تهنئة:
كل عام والجميع في كل مكان بخير بمناسبة العام الهجرى الجديد.
2023-7-18

التعليقات متوقفه