لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب:الحوار وأسئلته ومشواره

9

أعزائى القراء. غِبتُ عنكم بعض الوقت. معذرة. فما عن قلا كان الغياب. وإنما أمور بقليل من الاعتلال وكثير من الشواغل.

موضوع حديثى اليوم هو الحوار الوطنى والأسئلة التي يطرحها والمشوار الذى يتطلبه. الحوار الوطنى هو تجربة جديدة علينا. منطقها المقاربة، وليس المغالبة. وحسابها نحن بنو هذا الوطن، وليس أنا وأنت. وغايتها إصلاح حال البلاد والعباد. أرجوكم أعزائى القراء أن تتأملوا هذا القاموس جيدا. الحوار الوطنى هو عملية بدأناها منذ عام تقريبا، وأتمنى أن نستكملها بنجاح، بجهودنا جميعا ولخيرنا جميعا. هو عملية أخذ وعطاء، تبادل للرؤى والأفكار ووجهات النظر. هو جدل كبير وخطير يتم بشكل تشاركى حول الأولويات، وليس الاستغراق في التفاصيل الكثيرة أو الانشغال بالمشكلات الصغيرة. نهايته المرتقبة أن نتحول نحن المصريين جميعا من رعايا إلى مواطنين وخاتمته أن يصبح الشعب المصرى هو “السيد في الوطن السيد”، كما جاء نصا في ديباجة دستور 2014. وعليه، فإن مسار الحوار معقد وطويل، وهو بحق مشوار الألف ميل. وما قطعناه حتى الآن هو الخطوة الأولى.
ورغم كل دعاوى التشكيك في جدية الحوار وجدواه، فقد تحمست له منذ البداية. وأعلنت في يوليو الماضى عند قبولى عضوية مجلس أمناء الحوار، ردا على المشككين والمتشككين، أن الحوار فرصة لا يجوز أن نضيعها وعملية يجب على كل وطنى أن يستميت لإنجاحها. وكان موقفى الايجابى هذا إيمانا منى بأهمية الحوار في تلك اللحظة التاريخية، وتقديرى أنه يمكن أن يؤدى الى حلحلة الأوضاع الصعبة والبائسة التى يعيشها مجتمعنا. ولكنى أيضا أكدت في حينه، وأعدت التأكيد أكثر من مرة، أن هذا الموقف سيكون تحت المراجعة المستمرة، ويمكن أن يتغير في ضوء المستجدات. تحديدا، قلت أنه إذا جَدَّت تطورات تؤكد أن الأمر ليس جادا، فسوف أعلن ذلك على الملأ وأنسحب آسفا، ولكن بضمير مستريح. والآن، فقد بدأ يساورنى شك حول جدية الحوار. صحيح أنه لم يبلغ بعد حدَّ اليقين، لكنه يتزايد.
لماذا تساورنى الشكوك الآن حول جدية الحوار؟ السبب هو تلك الشواهد التي توحى بأن عديدا من الأطراف المشتركة في هذا الحوار ليست حريصة بالقدر المطلوب لإنجاحه. فالحكومة من جانبها تتخذ إجراءات على الصعيد الاقتصادى والصعيد السياسى تزيد من إرباك المشهد وتدفع الأمور في اتجاه اللاعودة، بحيث يصبح ما سيسفر عنه الحوار الوطنى غير ذي جدوى. وفي المحور الاقتصادى الأمثلة كثيرة. لكن سأكتفى فقط بذكر إجراءات مثل تعويم (أقسد تفطيس) الجنيه، واتخاذ قرارات غير مدروسة تجلب المشكلات لخلق الله جميعا: مستثمرين ومنتجين ومستهلكين. وفى المجال السياسى، تطالعنا أنباء متعددة عن حالات القبض على مواطنين بذرائع غريبة، بحيث تفسد على الناس فرحتهم بالافراج مؤخرا عن بعض المحبوسين وسجناء الرأى. وفى جانب بعض قوى المعارضة المتكتلة تحت لافتة توحى بأشياء طيبة تجد ارتباكا شديدا وترددا بين نقيضين: المشاركة او الانسحاب. وهذا الجو الضبابى لا يوفر جو الثقة المطلوب لاستمرار الحوار ونجاحه.
هذا بيان للرأي العام وكل من يعنيه الحوار الوطني.

حكمة اليوم: (من أشعار العبد لله)
وأرانى الآن أحيا فى جماعة ..
أرى فيها الناس تزهو في وضاعة
وخداع الغير قد أضحى صناعة
وغدا القوم لُهاةً في مُجُون

التعليقات متوقفه