فريدة النقاش تكتب:المدرسة الموازية

4

قضية للمناقشة
المدرسة الموازية

فريدة النقاش

الحمد لله ان الدوائر الحكومية انتبهت مؤخرًا, وعبرت عن القلق إزاء انتشار الدروس الخصوصية بصورة تنذر بالخطر, وبتهميش دور المدرسة.
وأتذكر الآن أنني تعلمت في زمن كانت المدرسة فيه جذابة ومبهجة, حتي أن الطالبة أو الطالب الذي يلجأ للدروس الخصوصية كان هو الكسول أو البليد، كما كنا نطلق عليه, بل ويخجل بعضنا إذا لجأ لمدرس خصوصي.
أصبح الوضع التعليمي الآن مدعاة للقلق, رغم وجود عناصر مبشرة في الوضع القائم, فمثلا زادت الاستثمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات بنسبة 300% خلال ثلاث سنوات, وهو مؤشر دال على تقدم نوعي في محتوى التعليم, وهو ما تسانده من جانب آخر عمليات المراجعة المتواصلة للمناهج والبرامج ابتغاء الاستفادة من كل تطور في ميدان التعليم على الصعيد العالمي.
ويظل الانقسام الطبقي في المجتمع المصري حيث الفقر والبطالة وسوء التغذية والزيادة المتواصلة لعدد السكان- يظل هذا الانقسام بابا مفتوحا على مصراعيه لخروج أطفال في مراحل متقدمة من التعليم وهم لا يجيدون القراءة والكتابة, ولا ندهش كثيرا حين نقرأ شهادات معلمين يدعون إلى محو أمية طلاب قادمين من ثلاث سنوات دراسة في الإعدادي.
وتتجلى كل هذه المثالب في مدارس القرى, كما يسفر الانقسام الطبقي عن نفسه في صور فاضحة لعجز طلاب في مراحل التعليم المختلفة عن القراءة والكتابة.
ورغم أن التعليم العام- وفقا للدستور- لايزال مجانيا, فإن مشروع القانون الجديد- وفقا لخبراء يضاعف إنفاق الأسر ثلاث مرات, في وقت لا يزال فيه التعليم هو الأداة الموثوقة للانتقال الاجتماعي والطبقي إلى مكانة أفضل.
وتدلنا خبراتنا اليومية, وما نراه حولنا من كفاح جبار تنخرط فيه الأسر المتوسطة والفقيرة, تدلنا علي أن هذه الأسر رغم كل صعوبات العيش تضع تعليم الأبناء على رأس أولوياتها, وتنفق من دخلها المحدود, بل وتستدين من أجل تعليم الأبناء, لا فحسب لتضمن لهم مستقبلًا أفضل وانما أيضا من أجل رفعة شأن الأسرة معنويا على الأقل.
وربما سيكون بوسع علماء الاجتماع أن يكشفوا لنا بصورة أدق وأشمل ما يمثله الانتقال الطبقي للفقراء ومحدودي الدخل بل والمعدمين أحيانا من فخر وثقة بالنفس وقدرة أعظم على الإنجاز والعطاء, وهم يتوقعون أن يتم هذا الانتقال عبر التعليم الذي يرون فيه ثروتهم الحقيقية.
ولا يخفي علينا أن التعليم في بلادنا قضية شائكة وبالغة التعقيد ومكلفة للغاية إذ تستهلك الدروس الخصوصية نسبة لا يستهان بها من دخل الأسرة, وبالمشاهدة والمعايشة يدلنا الواقع على أن غالبية الأسر تضع الانفاق على تعليم الأبناء على رأس أولوياتها.
وتتعدد مناهج اصلاح التعليم وجداوله, ولأن مصر هي بلد متعلمة اذ بدأ فيها التعليم الحديث مبكرا فقد آن الأوان لتكاتف كل الجهود من أجل الوصول إلى مدرسة يجد فيها الأبناء كل احتياجاتهم العلمية والمعنوية والتأهيلية حتي يكون بوسع الأسر أن تتخفف من عبء الدروس الخصوصية التي تفاقمت كمدرسة موازية تهدر فيها الأسر الأموال والجهود المضنية.
ويشكل إصلاح التعليم مسيرة طويلة مضنية ومعقدة للدولة وللأسر وللطلاب أنفسهم. ولهذا كله لن يكون بوسعنا أن نصل الى نتائج مرضية إذا لم نبلور معا رؤية شاملة لهذا الموضوع الحيوي من كل جوانبه.
وفي هذا السياق علينا أن ننصت بعناية للأسر المصرية لا للأبناء والمعلمين فقط, وبذلك نتصرف عن قرب لحجم هذه القضية ومدى حيويتها لمستقبل وطننا, خاصة أن نظم التعليم وأدواته ومناهجه تتقدم بسرعة, ولابد لنا من مواكبة هذا التقدم حتي لا نجري وراء الآخرين, وحتى نصبح وطنا فاعلا لا متلقيا عن تشكيل مستقبل عالمنا.
تجري محاولات بين الحين والآخر للتعامل مع قضية التعليم بكل مشكلاتها, ولكنها تبقى محاولات جزئية دون نظرة كلية تربط بين التعليم وكل مناحي حياتنا, وتتجاهل حقيقة أن الانقسام الاجتماعي في بلادنا يهدر طاقات شباب وشابات يمكن أن يكونوا موهوبين ومبدعين وواعدين.
ولا يخفى علينا ان التعليم القائم الآن يعيد إنتاج الانقسام الطبقي في البلاد بصورة سافرة, بينما يرى الناس في التعليم سلما للقفز على هذا الانقسام ويجاهدون بكل قوة من أجل أن يكون كذلك, وهو لن يكون كذلك اذا بقي الوضع الحالي قائما حيث مدارس للفقراء وأخرى للأغنياء, وتدفع مدارس الفقراء بطالباتها وطلابها إلى إعادة إنتاج فقرهم وان تحسن قليلا, وتدفع مدارس الأغنياء بطالباتها وطلابها إلى مواقع الحكم والسلطة, وبذلك يجري تأييد الانقسام في المجتمع عبر التعليم الذي من المفترض أن يكون بابا للخروج إلى عالم أرحب وأكثر إنسانية وعدالة ما أحوجنا لمناقشة هذه القضية على أوسع نطاق لعلنا نجد حلولا مبتكرة.

 

التعليقات متوقفه