المبادرة ـ تبرز الصين كقطب دولي يلعب دورًا إيجابيًّا…خطة السلام الصينية فى أوكرانيا

بايدن: فى صالح روسيا فقط.. زيلينسكى: مجرد أفكار وليست مبادرة.. والناتو لا يثق فى المبادرة الصينية

0

الاتحاد الأوروبى: الصين علاقاتها بروسيا قبيل العملية العسكرية

بعد جولة أوروبية قام بها المسئول عن العلاقات الخارجية فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى وزير الخارجية الصينى السابق، فان أى، على هامش حضوره لمؤتمر ميونيخ للأمن، قام بعدها بزيارة لموسكو ولقائه برئيس مجلس الأمن القومى الروسى، نيكولاى باتروشوف، والرئيس بوتين، بعدها كشف المسئول الصينى الرفيع عن خطة بلاده لتحقيق السلام فى أوكرانيا ووقف الحرب كما سماها، أهم ما جاء فى المبادرة الصينية كان دعوة بكين لكافة أطراف النزاع فى أوكرانيا لوقف العمليات العسكرية والتوقف عن ما سماه «أجواء الحرب الباردة» السائدة هذه الأيام.

أكدت بكين ضرورة بدء مفاوضات سلام، والتوقف عن عملية فرض عقوبات من جانب واحد وضمان وصول الحبوب الأوكرانية لمختلف دول العالم وخفض ما سمته المخاطرة الإستراتيجية، هذه خطوط عريضة للمبادرة الصينية كما جاءت على موقع وزارة الخارجية الصينية.

الوثيقة الصينية جاءت تحت عنوان «موقف الصين لحل سياسى للأزمة الأوكرانية»، وتضم 12 نقطة أساسية تطالب الصين الأطراف بتنفيذها، وهى:

1 ـ احترام سيادة كافة الدول، الصين ترى أنه من الضروري احترام القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، بدون معايير مزدوجة، ويجب كذلك “ضمان استقلال ووحدة أراضى وسيادة كل الدول.

2ـ التخلي عن «أجواء الحرب الباردة»، وتؤكد الصين أن أمن أى دولة لا يمكن أن يتحقق على حساب دول أخرى، والأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق على حساب تقوية وتوسيع التكتلات العسكرية”. ودعت المبادرة الصينية إلى علاقات جادة فيما يخص “المصالح القانونية وأمن كافة الدول”، وكذلك العمل المشترك “لبناء هيكل متوازن ومؤثر وعلى أساس قوى للأمن فى أوروبا” و”عدم السماح بتكوين معسكرات للمواجهة فيما بينها.

3ـ تؤكد الصين أنه لا يوجد منتصرون فى الحرب “وتعتقد بأن على جميع الأطراف ضبط النفس وعدم سكب الزيت على النار وعدم تصعيد النزاع، بحيث يخرج من تحت السيطرة، وتؤكد المبادرة الصينية أنها تدعم “ضرورة العودة للحوار المباشر بين روسيا وأوكرانيا مما سيؤدى ويساعد على خفض التصعيد و”التخفيف من الوضع” و”التوصل إلى صيغة مشتركة لوقف إطلاق النار.

4ـ بدء مفاوضات سلام، وفق الإعلان الصينى “الحوار والتفاوض هو الطريق الوحيد الواقعى للخروج من الأزمة الأوكرانية، وعلى المجتمع الدولى أن يساعد أطراف النزاع على “فتح الأبواب لتسوية سياسية” وخلق الظروف المناسبة لتقديم أرضية للحوار.

5ـ حل الأزمة الإنسانية، تدعو بكين إلى “حماية وتوفير الأمن للمدنيين” وفتح ممرات إنسانية لإخلائهم، وزيادة المساعدات الإنسانية ودعم دور الأمم المتحدة فى هذا الخصوص.

6ـ حماية المدنيين والأسرى، وهنا تؤكد المبادرة الصينية على أطراف النزاع ضرورة عدم الاعتداء على الأهداف المدنية وعلى الأشخاص المدنيين وضرورة حماية النساء والأطفال واحترام حقوق الأسرى من العسكريين. ودعت الصين كذلك إلى ضرورة “خلق ظروف أكثر ملاءمة” لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.

7ـ دعم أمن وحماية المنشآت النووية (محطات الكهرباء النووية)، وتشير المبادرة إلى أن أى هجوم على “المنشآت النووية السلمية”  بما فى ذلك محطات الكهرباء. وفق المبادرة يجب على كافة الأطراف أن يتبعوا ميثاق الأمن النووى وتجنب الحوادث التقنية النووية.

8 ـ خفض المخاطرة الإستراتيجية. تؤكد الصين عدم جواز استخدام السلاح النووى وعلى ضرورة الوقوف ضد استخدامه أو التهديد باستخدامه. كما تقف الصين ضد “إنتاج أسلحة بيولوجية وكيميائية فى أى بلد وتحت أى ظروف”.

9ـ ضمان تصدير الحبوب والغلال، وفق رأى الصين على جميع الأطراف الالتزام باتفاقية السماح بمرور الحبوب عبر البحر الأسود وفق الاتفاقية الموقعة بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا عام 2022.

10ـ وقف العقوبات الأحادية الجانب ووفق الموقف الصينى، العقوبات لا تحل المشاكل، بل تخلق مشاكل جديدة، ودعا الموقف الصينى الدول إلى وقف فرض العقوبات من جانب واحد، وأن تلعب بدلاً من هذا دورًا فى تبريد الأزمة فى أوكرانيا، وخلق ظروف لتنمية الدول النامية وتحسين ظروف الحياة فيها.

11ـ تحقيق الاستقرار فى سلاسل الإنتاج والتصدير، ووفق رأى الموقف الصينى، تؤكد بكين  ضرورة حماية الاقتصاد الدولى ومواجهة تسييسه أو استخدامه لأغراض عسكرية، ودعا الموقف الصينى إلى عدم السماح بإفشال التعاون فى مجال الطاقة وانتقال الأموال وتجارة الحبوب والنقل.

12ـ العمل المشترك بعد الحرب على إعادة البناء، وتدعو الصين فى موقفها المجتمع الدولى إلى إعادة البناء فى مناطق النزاع وهى على استعداد للمساعدة ولعب دور بناء فى هذا الاتجاه.

هذا ما أطلق عليه المبادرة الصينية لوقف الحرب، والبعض الآخر وبكين نفسها أطلقت عليه “الموقف الصينى” من النزاع فى أوكرانيا، والذى أعلنه «فان» أى مسئول لجنة العلاقات الخارجية فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى أثناء  زيارته للعاصمة الروسية موسكو ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، أعلن المسئول الصينى أنه ممتن لموقف روسيا واستعدادها للتفاوض حول أوكرانيا.

موقف كييف

وفيما يتعلق بموقف كييف من المبادرة أو الموقف الصينى، وكما تشير وسائل الإعلام، لم تتشاور بكين مع كييف أثناء إعداد المبادرة – الموقف، بينما انتقدت الخارجية الأمريكية المبادرة الصينية وشككت فى جديتها لأنها وفق الخارجية الأمريكية، ما زالت بكين تدعم موسكو، بينما شككت صحيفة نيويورك تايمز فى النوايا الصينية وقالت إن الشخصيات الأوروبية الرسمية لا تثق فى قدرة ورغبة الصين على إقناع موسكو بضرورة وقف إطلاق النار فى أوكرانيا.

وبينما رحبت روسيا بخطة السلام الصينية نجد حلف الناتو وعلى لسان السكرتير العام للحلف، أعلن معلقاً على المبادرة الصينية أن الحلف من حيث المبدأ لا يثق فى الصين، لأنها حسب قوله لم تدن “الاجتياح الروسى” لأوكرانيا على حد وصفه، بل على العكس وفق حلف الناتو وقع الرئيس الصينى مع الرئيس بوتين اتفاقية شراكة قبيل العملية العسكرية الروسية. أما رئيسة اللجنة الأوروبية أورسولا فون دير لاين فقد قالت “إن الوثيقة الصينية – مجرد إعلان مبادئ، وهم موافقين عليه، لكن هذه ليست خطة سلام، ويمكن النظر إليها من خلال أن الصين عمقت علاقاتها مع روسيا قبيل عملية اجتياح روسيا لأوكرانيا على حد قول السيدة فون دير لاين. موقف واشنطن أعلنت عنه فيكتوريا نولاند نائبة وزير الخارجية الأمريكى للشئون السياسية، حيث قالت “نحن نعرف أن روسيا تتوجه للصين بصفة دائمة من أجل الحصول على السلاح ونحن نعرف أن بعض الشركات الروسية تحاول بحذر تقديم الدعم لروسيا، ونحن (الولايات المتحدة) أعلنا عن استعدادنا لفرض عقوبات على شركات صينية، ونحن نقوم بذلك، ولم تذكر مبادرة الصين بشيء.

أما الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى فقد قال تعليقاً على الموقف الصينى “يبدو لى أنه ليس خطة سلام صينية، ولا قرار ولا إعلان وهو ليس بنية تحتية لشيء ما، يبدو لى أن الصين أظهرت أفكارها بخصوص ما يجرى”، ومع ذلك أشار الرئيس الأوكرانى إلى أن بعض عبارات المبادرة الصينية تتطابق مع موقف أوكرانيا، ومن الممكن أن نستمر فى العمل حول تلك النقاط. لكن الرئيس الأوكرانى ومن خلال مؤتمر صحفى بمناسبة مرور عام على العملية العسكرية الروسية، كرر موقفه السابق وهو أنه للتفاوض اشترط انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991. كما أعرب الرئيس الأوكرانى كذلك عن رغبته فى لقاء الرئيس الصينى، مشيراً إلى أن هذا اللقاء سيكون فى صالح البلدين ، لكنه لم يوضح مكان أو ظروف هذا اللقاء.

أمريكا والمبادرة

وتعليق آخر من الولايات المتحدة جاء على لسان جون كيربى منسق الاتصالات الإستراتيجية بالبيت الأبيض الذى أكد فيه أن الولايات المتحدة ترغب فى تحقيق السلام بأوكرانيا، لكن هذا يجب أن يتم فى الأساس بعد أخذ رأى أوكرانيا فى الاعتبار بالدرجة الأولى. وأضاف كيربى أنه فى البداية يجب الانطلاق من اعتراف مبدئى حول من المعتدى وهى روسيا وفق السيد كيربى، وكرر كيربى موقف رئيس بلاده بأنهم لن يتحدثوا عن أوكرانيا بدون أوكرانيا، ولن نملى على رئيس أوكرانيا، متى يتفاوض وعلى أساس أى شروط أو فى أى الحالات، فهو (الرئيس الأوكرانى) الذى يجب أن يتخذ القرار. لكن السيد كيربى وجد نقطة التقاء فى الوثيقة الصينية وهى أول سطر الذى ينص على” ضرورة احترام السيادة القومية للدول الأخرى”، وأكد أن هذا موقفهم فى الولايات المتحدة.

نقطة إيجابية

ورغم الاعتراضات على المبادرة أو ما أطلقت عليه بكين “الموقف” الصينى، فإن هذا يعتبر نقطة إيجابية مهمة لحلحلة الموقف المتجمد فى الأزمة الروسية – الأوكرانية، ويمكن طرح العديد من الانتقادات للمبادرة الصينية، إلا أنها تعتبر الأساس الوحيد الذى من الممكن التحدث بشأنه لتسوية المشكلة. الاعتراضات الأوكرانية كثيرة، أولها بالطبع أن بكين تبدو وكأنها تشاورت مع موسكو، ومع حتى الأوروبيين حول الأزمة وأهملت كييف، السيد فان إى قام بجولة فى الاتحاد الأوروبى فهل أطلع الأوروبيين على موقف الصين الذى أعلن، فى اعتقادي ردود الفعل الأوروبية غير مرحبة تماماً، والناتو غير مرحب، والنقطة الوحيدة التى يتفق فيها الجميع مع المبادرة هى وحدة وسلامة الأراضى وإن كانت لم تذكر أوكرانيا بالتحديد وإنما كمبدأ عام، وربما كان الأوروبيون يريدون أن يكون المبدأ أكثر تحديداً ويذكر أوكرانيا.

الرئيس الأمريكى وصف الموقف الصينى بأنه “فى صالح روسيا فقط” وتوعد بكين بعقوبات قاسية إذا أمدت روسيا بالسلاح. وكما ذكرت من قبل المبادرة الصينية شيء جيد، وربما تسعى بكين من خلالها أن تتبوأ مكانتها كقطب من أقطاب عالم ما بعد أزمة أوكرانيا خاصة أنها دولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن واقتصادها يحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم، وخروجها عن تحفظها المعهود يضعها فى مكانة الدولة العظمى، خاصة أن لها علاقات طيبة بكل من موسكو وكييف، وتستطيع أن يكون لها دور فى التسوية.

الصديق الصينى

لكن عدم أخذ رأى أوكرانيا قبل الإعلان عن الموقف يضعف من إمكانية قبوله من قبل أوكرانيا، خاصة أن الإعلان عنه لم يكن حتى على الأقل فى أوروبا وإنما جاء من العاصمة الروسية موسكو، وربما هذا يوضح أن الصين تدرك بأن الصراع ليس أوكرانيا روسيا بل صراع بين الغرب وروسيا من خلال أوكرانيا وأيدى جيشها، ومن هنا ربما كانت المبادرة الصينية موجهة من موسكو لواشنطن، التى رفضتها على الفور، لأنها تصر على استنزاف روسيا بالعقوبات التى أعلنت هى والاتحاد الأوروبى عن حزمة عاشرة منها، وعن طريق الاستنزاف العسكرى من خلال إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة لزيادة الضغط على موسكو للقبول بأى حلول يقبل بها الغرب.

قدمت الصين نفسها كدولة كبرى تسعى لحفظ الأمن والسلم العالمى، وتحرص على مصالح الدول النامية التى تأثرت بالنزاع الحالى وخاصة فيما يتعلق بأزمة الحبوب التى حدثت، وأعلنت عن حرصها على استمرار اتفاق مرور الحبوب عبر البحر الأسود وتحدثت المبادرة عن عدم السماح باستخدام الأسلحة النووية بأى حال، وعن أمن الطاقة والغذاء وكل هذه أشياء عامة مهمة لكنها لا تتطرق لحل الأزمة، وربما البند الوحيد للحل كان الإقرار بوحدة وسلامة أراضى الدول فى إطار ميثاق الأمم المتحدة ووقف إطلاق النار، وهذا هو جوهر المشكلة فى الوقت الحالى. تحدثت المبادرة كذلك عن عدم شرعية العقوبات التى تفرض من جانب واحد، وهى فى ذلك تريد أن تحصن نفسها بعد تهديد واشنطن بفرض عقوبات عليها.

التعليقات متوقفه