إعلان تعبئة جزئية فى روسيا:تطورات عملية روسيا العسكرية فى أوكرانيا

توقعات بتصعيد كبير فى العمليات العسكرية فى المستقبل

1

*توقعات بتصعيد كبير فى العمليات العسكرية فى المستقبل
*دخول السعودية نقطة بيضاء مهمة لتبادل الأسرى
*الإفراج عن ميدفيدتشوك تبادل للتنازلات بين موسكو وكييف.ج

فجأة وبعد هدوء نسبى على جميع الجبهات فى أوكرانيا، وبعد انسحاب روسى تكتيكى من مناطق تابعة لمنطقة خاركيف، اعتبرتها كييف انتصارا ساحقا لها، بينما كان من الواضح أن القوات الروسية انسحبت لأسباب تتعلق بالتركيز على إنجاز مهمة محددة، وهى استكمال تحرير منطقة دنيتسك، حيث مازالت القوات الأوكرانية تسيطر على ما يقرب 40% من أراضيها.

وفى ليلة من الليالي المفعمة بالمبارزات السياسية من خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها السابعة والسبعين، ألقى الرئيس الروسى بوتين بالقفاز فى وجه الجميع وقلب الطاولة على الكل وتحدى جميع المتحدثين من فوق منصة المنظمة الدولية، بأن أعلن عن ما أسماه التعبئة الجزئية وهى تختلف عن التعبئة العامة، لأنها تشمل الأفراد الذى أدوا الخدمة العسكرية فى القوات المسلحة الروسية فقط وبتخصصاتهم المختلفة، وبحسبة بسيطة أعلن وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو عن أن عدد الأفراد الذين سيتم استدعاؤهم يصل إلى حوالى 300 ألف مواطن، بنسبة 1% وهى نسبة ضئيلة لما يمكن أن تشمله التعبئة العامة، والتى من الممكن أن تعبئ 30 مليون مواطن تحت السلاح.
انتظر الرئيس الروسى ووزير الدفاع حتى وقت متأخر من الليل للإعلان عن التعبئة، البعض فسرها على أنها حرص من الرئيس بوتين على أن يستمع لنداء التعبئة مواطنوه فى منطقة الشرق الأقصى الذين ستكون الشمس قد بزغت عندهم بينما فى موسكو ما يقرب من منتصف الليل، ففرق التوقيت حوالى 8 ساعات، بينما أرجعها البعض الآخر بأنها حركة تصعيدية من قبل الرئيس الروسى رداً على الانتقادات التى وجهها قادة الغرب لروسيا من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب عمليتها العسكرية فى أوكرانيا، وليؤكد لقادة الغرب وحلف الناتو أنه على استعداد لمواصلة العملية العسكرية حتى النهاية، حتى وإن كانت التعبئة الجزئية ستجعل منها إعلان حرب، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى متمثلاً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الاستعداد للحرب
إعلان التعبئة تعنى مجموعة من الإجراءات والمهام التى تجعل البلاد والمجتمع على أهبة الاستعداد للحرب، وهذه الإجراءات لا تقتصر على الاستعدادات العسكرية المباشرة، ولكن على أى عمل موجه للدفاع عن الدولة ومصالحها الحياتية، هذا الإجراء ممكن أن يتخذ فى كل أنحاء البلاد أو فى منطقة بعينها. فى روسيا يملك الرئيس الحق فى إعلان التعبئة العامة فى ظروف محددة، مثل تعرض البلاد للعدوان أو التهديد بالعدوان على البلاد، أو فى حالة نزاع فى مكان مجاور يهدد سلامة الأراضى الروسية، أخر مرة أعلنت فيها حالة التعبئة العامة كان أثناء الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية).
نحن الآن أمام تعبئة جزئية كما وصفها الرئيس بوتين فى بيان له يوم 21 سبتمبر الحالى، قال فيه “من أجل الدفاع عن روسيا وسيادتها ووحدة أراضيها فى اعتقادي أنه يجب تأييد اقتراح بإعلان التعبئة الجزئية فى البلاد”. ووفق قرار الرئيس بوتين الذى حدد الفئات التى ستخضع لعملية التعبئة وقال إنها الفئات الموجودة على قوة الاحتياط والتى أدت الخدمة العسكرية، وستجرى عملية إعداد جديدة لهم وفق الخبرات المكتسبة من العملية العسكرية فى أوكرانيا.
حقوق المواطنين
وحول حقوق المواطنين الذين سيخضعون للتعبئة، أكد القرار على أنهم سيعاملون باعتبارهم مشاركين فى العملية العسكرية وسيحصلون على الرواتب التى يحصل عليها الجنود المتعاقدون، وأنهم سيحصلون على نفس القدر من الراتب الذى يحصل عليه المتعاقد دون أى نقصان. كل العقود السارية ستستمر حتى انتهاء العملية العسكرية وانتهاء عملية التعبئة الجزئية، باستثناء حالات الإحالة للتقاعد. أما لماذا اتخذ الرئيس بوتين هذا القرار الذى اعتبره قادة الغرب نوعا من التصعيد واعتبرته بريطانيا أن الرئيس الروسى يغامر بأخر أوراقه، ووصف وزير الخارجية البريطاني الأوضاع فى أوكرانيا وأوروبا ككل بأنها خطيرة جداً، وأضاف أن موسكو بذلك تستطيع الرد على موقف الناتو بالقوة التى تمتلكها وهذا شئ مخيف. أما الصين وعلى لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية فقد دعت الأطراف لوقف إطلاق النار، وأعرب الدبلوماسى الصينى عن أمله فى أن يساعد المجتمع الدولى على ذلك.
تصرف متوقع
بينما لم يبد مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكرانى ميخائيل بودولياك أى انزعاج، وقال إنه «تصرف متوقع»، وأضاف أنه من الواضح أن العملية العسكرية لا تسير وفق السيناريو الروسى مما دفع الرئيس الروسى لأن يلجأ إلى التعبئة وهى وسيلة غير مرحب بها” وكان رد الفعل الأوكرانى هادئ مشيراً إلى أن التعبئة لن تؤثر على سير المعارك، أما السفيرة الأمريكية فى أوكرانيا بريجيت برينك فقد صرحت بأن بلادها لن تعترف أبداً بالأراضى التى ستضمها روسيا من خلال الاستفتاء. أما روبرت خابك نائب المستشار الألمانى فقد وصف خبر التعبئة بأنه خبر سيئ جديد من روسيا وسيكون عليهم الاجتماع مع حلف الناتو لمناقشة الأمر، أما المستشار شولتز نفسه فقد أعتبر قرار الرئيس بوتين بأنه “تصرف يائس” وغيرها من الآراء، إلا أن الأساس لاتخاذ القرار التعبوى يطرحه دميترى جورافليوف مدير معهد مشاكل الإقليم وأحد المقربين من الكرملين ونجم من نجوم برامج “التوك شو” فى التليفزيون الحكومى الروسى، والذى قال إنه لم يكن أمام روسيا اختيار آخر فنحن يجب أن ننتصر من وجهة النظر السياسية، ليس أمامنا خيار أخر، العالم كله ينظر إلينا، لو فشلنا سيلتهموننا، والجبهة كبيرة جداً وللأسف لم نستطع تحقيق الانتصار السريع بسبب طول الجبهة الذى لم ننتظره، وهذا يعنى أننا يجب أن نحافظ على الجبهة ونستعيد زمام المبادرة. وأشار جورافليوف إلى أنه بعد الاستفتاء فى المناطق المحررة، فإنها ستصبح أرضا روسية ومن ثم يجب حمايتها ومن هنا كان لابد من التعبئة لتوفير الأفراد لذلك.
حرب نفسية
تمارس روسيا من خلال الإعلان عن التعبئة الجزئية حرباً نفسية شرسة ضد أوكرانيا والغرب بصفة عامة بهدف إخضاع كييف وجعل الغرب يضغط على أوكرانيا أو إقناعها بعملية تفاوض وفق الشروط الروسية، فقد أعلنت روسيا عن إجراء استفتاء بالمناطق التى تسيطر عليها أى الدونباس وخيرسون وزابوروجيا، والهدف من ذلك أنه بعد الاستفتاء فإن هذه المناطق تعتبر أراضى روسية ومن ثم هذا يطلق يد روسيا فى التصعيد واستخدام أحدث ما لدى روسيا من تكنولوجيا عسكرية للدفاع فى مثل هذه الحالة عن الأراضى الروسية، كما صرح بذلك الرئيس بوتين بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية. بعض الخبراء يرون أن روسيا ربما قررت تجميد الموقف العسكرى فى الأراضى الأوكرانية وستكتفى فى الوقت الراهن على الأقل بما تسيطر عليه وتريد حمايته بالتعبئة من ناحية واستخدام حتى السلاح النووى باعتبار أن هذا اعتداء على أراض روسية.
مرحلة جديدة
لكن وسط الصخب الذى أحدثه الإعلان عن التعبئة الجزئية، والذى وصفه بعض الخبراء بأنه لا يهدف فقط لتعبئة 300 ألف ولكن سيصل إلى ما قد يصل لمليون، كما أن التعبئة الجزئية قد تتحول إلى تعبئة عامة، على أى حال هذا سيظهر خلال الفترة القادمة، لكن الذى لا شك فيه أن النزاع الروسى ـ الأوكرانى دخل مرحلة جديدة قد تكون أكثر شراسة، لأن الغرب سوف يزود أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الثقيلة والأكثر دقة، وبالفعل بدأت أوكرانيا بدعوى إعلان روسيا للتعبئة الجزئية تطالب حلفاءها فى الناتو وأوروبا والولايات المتحدة بزيادة الدعم العسكرى.
لكن وسط الضباب هناك نقطة ضوء، فقد استطاعت وساطات تركية وسعودية التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا، حيث تم تبادل 251 أوكرانيا مقابل 55 جنديا روسيا، لكن الأهم فى هذه الصفقة أنه تم الإفراج عن 5 من قادة منظمة “أزوف” التى تصنفها روسيا جماعة إرهابية وهى من القوميين المتعصبين، ويبدو أن شرط روسيا للإفراج عن قادة “الأزوف” الذين دافعوا لفترة طويلة فى ماريوبل عن مصنع أزوف ستال، كان ألا يعود هؤلاء لأوكرانيا فتم ترحيلهم إلى تركيا حيث من المفترض أن يقيموا هناك كما تقول الأنباء تحت حماية الرئيس التركى إردوغان، أما الدولة السعودية وولى العهد الأمير محمد بن سلمان فكان له دور بارز فى تحرير الأسرى الأجانب وهم 4 أمريكيين و2 بريطانيين ومغربى واحد، وقد استقبلتهم السلطات السعودية ثم قامت بترحيلهم إلى بلادهم.
السعودية والأزمة
المهم هنا هو دخول لاعب جديد على خط الوساطة ليزاحم الرئيس التركى، استغل الأمير محمد بن سلمان العلاقة الطيبة بالرئيس الروسى بوتين، ليلعب دوراً فى أهم الأزمات المعاصرة، وهذا بلا شك سوف يضاف إلى رصيده سواء فى بريطانيا أو الولايات المتحدة وحتى المغرب، وفى تقديرى أن هذا الموقف قد يشجع المملكة على القيام بدور أكبر فى حل الأزمة الروسية ـ الأوكرانية فى المستقبل خاصة وان البعض يتوقع تصعيدا عسكريا بعد التعبئة التى أعلن عنها الرئيس بوتين، ظهور الدور السعودى فى الوساطة إضافة جديدة وخطوة مهمة قد تثمر عن حل للأزمة فى المستقبل. لكن أهم ما فى الصفقة بالإضافة لتحرير قادة “الأزوف” هو إطلاق سراح السيد فيكتور ميدفيدتشوك ، وهو شخصية أوكرانية بارزة على علاقة وثيقة بالرئيس بوتين وروسيا ويرأس حزب “من أجل الحياة” الموال لروسيا، فى بداية إلقاء القبض عليه رفضت روسيا أن تبادله ضمن صفقات أسرى سابقة باعتباره مواطنا أوكرانيا لكنها تراجعت وبادلته، والسلطات الأوكرانية أيضاً كانت ترفض مبادلته، لكنها تراجعت بدعوى أنه أخذت منه فى التحقيقات كل الأسماء التى قد تكون متورطة ضد أوكرانيا.

التعليقات متوقفه