الرد الأمريكى على ضمانات الأمن الروسية:وزير الخارجية الروسى يستنكر الاستغلال الأمريكى للأزمة مع أوكرانيا

أوكرانيا تحاول التهدئة وواشنطن تزيد من تصعد الصراع

145
د. نبيل رشوان

بعد مكالمة مع الرئيس الأمريكى، الرئيس الأوكرانى يقلب الطاولة على الجميع بقوله لا توجد حشود روسية. أخيراً وبعد اجتماع لوزيري خارجية البلدين روسيا وأمريكا وقبلهما اجتماع لنائبي وزيرى الخارجية أرسلت الولايات المتحدة ردها على المقترحات أو الشروط أو الإنذار الروسى الخاص بضمانات الأمن التى تطلبها روسيا، بعدم توسع الناتو شرقاً على حساب دول الاتحاد السوفيتى السابق وعدم نشر أسلحة يصل مداها للأراضي الروسية فى دول حلف الناتو وما يتعلق بالمناورات العسكرية التى تجرى على الحدود بين روسيا وحلف الناتو، وذهبت روسيا لأبعد من ذلك فى طلباتها عندما طلبت بسحب الأسلحة من الدول التى انضمت للناتو بعد عام 1997، وغيرها من الشروط التى ترى روسيا أنها تحقق المتطلبات الأمنية.
ضغوط روسية
روسيا تمارس ضغطا شديدا على أوروبا والناتو وهى تطمح لأن تحدث انقساما فى الجبهة الأوروبية، التى بدأت تتصدع بشكل لا يبعث على التفاؤل فى واشنطن، فقد رفضت ألمانيا إرسال أسلحة لأوكرانيا لأسباب قالت إنها مبدئية، وهى عدم إرسال سلاح لمناطق النزاعات واكتفت بإرسال خوذات وقمصان واقية من الرصاص وهو الأمر الذى اثار سخرية عمدة العاصمة الأوكرانية كييف فيتالى كليتشكو، وهناك النمسا التى نأت بنفسها عن النزاع ومؤخراً كرواتيا، ولم يبق فى إطار الحماس لدعم “الديمقراطية” الأوكرانية سوى دول البلطيق وبريطانيا، بينما انخرطت فرنسا فى محاولة إيجاد وسيلة للاتصال بروسيا لتخفيف التوتر من خلال مقترحات، أما الزعيمة الولايات المتحدة وفى إطار محاولاتها لتخفيف الضغط على الحلفاء الأوروبيين فقد بدأت فى البحث عن بدائل للغاز الروسى لدى حلفائها من مصدري الغاز “قطر” لتعويض نقص الغاز الروسى فى حال تحول النزاع من البرودة إلى السخونة ـ أكدت روسيا أنه لن يحدث ـ فمن ناحية تسكب واشنطن الزيت على النار فيما تؤكد موسكو على أنه لن يحدث اجتياح لأوكرانيا، بل وصل بالولايات المتحدة لتحديد موعد الاجتياح وهو شهر فبراير بعد انتهاء اوليمبياد بكين.
هستريا فى أوكرانيا
كل هذا لا يهم ولكن الأهم أن الهستيريا اجتاحت المجتمع الأوكرانى من الشعب البسيط، والقيام بالتدريبات على كيفية التصرف أثناء الغارات، ووصل الأمر للمدارس وتسليح الشعب، ثم يخرج الرئيس الأوكرانى ويقول إن البلاد مؤمنة وأنه لا داعي للذعر، خلاصة القول أن ثمة مخططا أمريكيا أكثر منه أوروبي أو حتى لحلف الناتو أعدته الولايات المتحدة لأهداف خاصة بها هل هي اقتصادية بعد وصول التضخم فى أمريكا لمستويات غير مسبوقة، لدرجة أن الرئيس الأمريكى قام بسب صحفي عندما سأله عن ذلك، أم أنه لبيع المزيد من السلاح وتنشيط المجمع العسكري الصناعي الأمريكى من خلال أوكرانيا وخلق بؤرة صراع تبتلع منتجات سلاح أمريكي وربما أوروبي، بدأ يتدفق على أوكرانيا حتى من جمهورية التشيك التى بدأت فى التخلص من مخلفات السلاح السوفيتى القديم بتوريده لأوكرانيا، واستغلت الولايات المتحدة ما تسميه التهديد الروسى لكي تزيد من تواجد حلف الناتو فى أوروبا “للحماية من الخطر الروسى القادم من الشرق” بعد ظهور دعوات بإنشاء منظومة أوروبية للدفاع عن أوروبا دون الاعتماد على الناتو أو الولايات المتحدة للحماية، وأول من أطلق مثل هذه الدعوة هو الرئيس ماكرون، التى ربما سيدفع ثمنها فى الانتخابات المقبلة.
رد أمريكي
الرد الأمريكى على المقترحات الروسية جاء “رمادياً” فهو لم يتطرق إلى النقاط الأهم وفق وزير الخارجية الروسى وهى وقف توسع الناتو شرقاً، عملياً رفضتها الولايات المتحدة وحلف الناتو، وبقى أمام موسكو عدة أيام للرد واتخاذ الإجراءات التى ستتخذها فى المستقبل لمواجهة الرفض الأمريكى لتوسع الناتو، وإن كان السيد لافروف قد أشار إلى أن الرد يعتبر بداية جيدة لحوار جاد سيستمر فى المستقبل حول كل القضايا ومنها قضايا نزع السلاح ونشر الصواريخ والأسلحة الهجومية فى أوروبا، وزير الخارجية الروسى أكد أن بلاده لا تعتزم شن حرب على أوكرانيا قائلاً إذا كان مستقبل النزاع كما قال بلينكين يعتمد على روسيا فإنه لن تكون هناك حرب، وأشار لافروف إلى أن الولايات المتحدة تؤجج الصراع بطريقة لا أخلاقية لدرجة أنها أفزعت الحليفة أوكرانيا، نفسها، من السلوك والنوايا الأمريكية.
كان رد الخارجية الأمريكية على المطالب الروسية، الذى سلمه السفير الأمريكى لدى موسكو جون ساليفان للخارجية الروسية، والتي بدا منها أن الجانب الأمريكى قد قام بإخراج هذه العملية بشكل سينمائي على الطريقة الهوليودية، عندما انتظر وزير الخارجية بلينكين حتى يخرج سفيره من الخارجية الروسية ويجلس فى سيارته أمام وزارة الخارجية بموسكو حتى دخل على الصحفيين الذين كانوا ينتظرونه، وفى نفس الوقت تقريباً عقد ستولتونبرج سكرتير عام الناتو مؤتمره، وقد بدا بأن حملاً ثقيلاً انزاح من على كتفه، فيما بدا بلينكين كموظف حكومي عتيد رابط الجأش بدرجة كبيرة، مفنداً الرد ودون أن يطرف له جفن قال إنه اشترط على الجانب الروسى الاحتفاظ بسرية الرد الأمريكى، حسب قوله لإعطاء فرصة للدبلوماسية للعمل، وهو ما فسره البعض على أنه، ربما بأن الولايات المتحدة قد تقدم تنازلات فى المستقبل لصالح روسيا وقد تكون على حساب الحلفاء الجدد (أوكرانيا ـ جورجيا) أو لإعطاء إيحاء لموسكو المتململة بأن التفاوض قد يؤدى لتنازلات فى المستقبل فتستمر فى التفاوض وهو ما يريده الغرب، لأن موسكو تستعجل مسألة إعطائها ضمانات مكتوبة بعدم توسع الناتو شرقاً بالإضافة للشروط الأمنية الأخرى، ورغم أن وزير الخارجية الروسى نفى ذلك قائلاً إن الرد أرسل لأوكرانيا ودول الناتو مشيراً إلى أن واشنطن والناتو أن العالم سيعرف محتواه قريباً، ويبدو أن الرد حظي برضي أوكرانيا محور النزاع، ولم تتحدث دولة مثل جورجيا أو مولدوفا اللتين لهما طموح الانضمام للحلف عن الرد الأمريكى، والموقف الروسى مثل الموقف من أوكرانيا ربما فى حالة مولدوفا أقل. وزير الخارجية أكد على أن الرد الأمريكى محل دراسة من كل الجهات المختصة وستكون للرئيس بوتين الكلمة النهائية.
اقتراح أمريكى
الملفت أن بلينكن أثار موضوع غاية فى الأهمية لم يكن أحد يلتفت إليه فى السابق عندما قال إذا أرادت روسيا من الناتو سحب القوات من أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا أو نزع الأسلحة التى استجدت بعد عام 1997، فعليها أن تنسحب من جورجيا (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا) والدنباس (أوكرانيا) وبريدنستروفيه مولدوفا) وغيرها من مناطق النزاع فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، وهى أمور تضعها روسيا فى إطار قوات حفظ السلام. كلام الوزير الأمريكى كان يعنى بلا شك استمرار واشنطن وحلفاءها فى إمداد أوكرانيا بالسلاح والتواجد فى البحر الأسود وهو ما يؤشر إلى استمرار النزاع، يأتي هذا فى الوقت الذى تستمر فيه الحشود الروسية فى شرق أوكرانيا بما تمثله من عبء اقتصادي، بينما دفعت أوكرانيا بكل قواتها إلى شرق البلاد وحالة التعبئة التى تعيشها وهو ما يمثل صداعا اقتصاديا لولا الدعم المادي الغربي، فوسعت روسيا الجبهة أمامها عندما نشرت قوات فى بيلاروسيا وإجراء مناورات لدرجة أن كييف أصبحت لا تدرى من أين سيأتي الاجتياح المزعوم والموجود فى عقل الغرب فقط.
حلف الناتو
وجاء الدور على حلف الناتو وبعد المؤتمر الصحفى للوزير بلينكن عقد ستولتنبرج سكرتير عام الناتو مؤتمره الصحفى لنفس الغرض، حيث أن الرد جرى إعداده بمشاركة الحلف والدول الأعضاء فيه فقال إن الحلف يراهن على خفض التصعيد حول أوكرانيا ويريد إجراء حوار مع روسيا التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية بالحلف، وفى نفس الوقت سيزيد من تواجده فى المنطقة (هذا ضد رغبة روسيا) وأكد أن الحلف هو منظمة دفاعية ولا ترغب فى الهجوم على أحد.
لكن المكالمة الهاتفية التى أجراها الرئيس الأمريكى بايدن مع نظيره الأوكرانى صباح يوم الجمعة الماضى، حاول الرئيس الأمريكى طمأنة الأخير عندما قال له إن بلاده سترد بحسم على أى اجتياح روسى للأراضي الأوكرانية وأن احتمال أن يقع الهجوم الروسى فى شهر فبراير الجارى، وتبادل الرئيسان المجاملات على المساعدات الأمريكية ودعيا لحل دبلوماسي وغير من الأمور التقليدية فى مثل تلك الحالات، وفى الوقت الذى يؤكد فيه الرئيس الأمريكى على حتمية الهجوم الروسى بل والسعي لاحتلال العاصمة الأوكرانية كييف، عقد الرئيس الأوكرانى مؤتمراً صحفياً للصحفيين الأجانب المعتمدين فى بلاده وقلب الطاولة على الجميع بما فيهم الغرب والناتو، عندما قال عندما أطالع وسائل الإعلام الغربية وحالة الرعب والفزع التى تبثها أشعر بالرعب، وأشار إلى أن الحشود الروسية ليست كما يصورها الإعلام الغربي عن طريق الصور التى تلقطها الأقمار الصناعية عن بعد وتبثها وسائل الإعلام وأنها مجرد خيام ليس بها جنود، وأن الأمور ليست بهذا السوء الذى يصوره لنا الإعلام الغربي فى الواقع على الأرض، وأن الأمور لا تختلف عما كانت عليه فى هذا الوقت من العام الماضى، وقال إنه مطمئن أن هجوماً لن يحدث على بلاده، واصفاً حالة الرعب التى عيشه فى الإعلام الغربي بأنها كبدت بلاده الكثير من الاستثمارات وهروب رءوس أموال.
موقف بطولي
الولايات المتحدة كما قلت من قبل تريد خلق موقف بطولي لها وللناتو بعد مأساة أفغانستان، كما أنها تريد أن تثبت لأوروبا بأنها يجب أن تظل حليفة ومكبلة بالتحالف مع واشنطن باعتبارها هي الحامية للديمقراطية الغربية، وفى نفس الوقت ترغب فى أن تثبت للحلفاء الجدد أنها مازالت القوة المهيمنة وفى نفس الوقت تريد ترويض الدب الروسى ووضعه فى المسار الدبلوماسي للتفرغ بعد ذلك للصين، التى ترى فيها واشنطن الخطر الأكبر على هيمنتها وانفرادها بمصير العالم.

التعليقات متوقفه