المواطنون يدفعون الثمن:الحكومة تضاعف الأزمة وتتحدث عن تخفيض الدعم..ورفع الأسعار سيؤدى إلى اتساع نطاق الفقر وانهيار الطبقة الوسطى

سلوى العنترى: ضبط الأسعار وزيادة الدعم السبيل الوحيد لحماية الفقراء

146

بسنت فهمى: مطلوب الاهتمام بزراعة السلع الاستراتيجية وزيادة الإنتاج

شريف الدمرداش: توفير مصدر دائم للعمل يضمن الحياة الكريمة للمواطنين

سامية خضر: تآكل الطبقة الوسطى وراء تدهور قيم المجتمع

سامية قدرى: دور الدولة حماية المواطنين من الإنزلاق للفقر

تحقيق: نجوى ابراهيم

ما حدث خلال الأيام الأخيرة فى الأسواق العامة من ارتفاع لأسعار السلع الغذائية بنسب تراوحت ما بين 20 إلى30% فى أعقاب ارتفاعات أسعار السلع والمواد الخام عالميا مثل الزيت والدقيق واللبن والأعلاف..حيث تحولت الأسواق إلى ساحة للعرض يسيطر عليها التجار الجشعون، وأصبحت الأسعار ترتفع سواء للسلع الغذائية أو المنتجات كل يوم تقريبا وسط غياب واضح لدور الدولة فى الرقابة والسيطرة عليها .

كل هذا يؤكد أن  المتحكم فى الأسعار ليست الأجهزة الحكومية بل التجار ..ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل قامت الحكومة برفع أسعار الوقود بمشتقاته المختلفة, وخفضت من قيمة الدعم السلعى المخصص للفقراء والذى لا تزيد قيمته على 50 جنيها فانخفض بمقدار 10 جنيهات وذلك بعد رفع أسعار الزيت التموينى المدعم بمقدار 8 جنيهات فى مدة لا تزيد عن ثلاثة شهور , وكذلك رفع أسعار الدقيق والمكرونة وغيرها من السلع التى يتم توزيعها على البطاقات التموينية..لتزداد الأعباء على ميزانية الأسرة فى ظل تخلى الحكومة عن القيام بواجبها تجاه الفقراء ومحدودى الدخل.

أكد  خبراء الاقتصاد أن اتجاه الدولة إلى تقليص الدعم والرفع المباشر لدعم السلع والخدمات وزيادة  الأسعار والضرائب وأسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز الطبيعى ..كل هذه الإجراءات ضربت بالأساس الفقراء وضاعت معها طبقات, وسوف تساهم فى رفع معدلات الفقر فى ظل ثبات أو تراجع مستوى الدخول.

اعتراف حكومى

من جانبها أوضحت د.سلوى العنترى، الخبيرة الاقتصادية، أن الأرقام الرسمية للدولة التى كشف عنها بحث الدخل والانفاق الأخير أوضحت أن الأثر المباشر لموجة ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم عقب تطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادى كان من أهم اثارها انزلاق الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة المهددة بالدخول تحت خط الفقر, فالعلاقة مثبتة علميا والحكومة معترفة بأن زيادة معدلات الأسعار يتبعه زيادة فى مستويات الفقر والحكومة معترفة بذلك فى أرقامها الرسمية, وفى نفس التقرير أشارت الحكومة إلى أنه لولا الدعم وخاصة دعم السلع الغذائية لتضاعف أعداد الفقراء .

وأوضحت انه مع زيادة أسعار السلع الغذائية العالمية ترتب عليه زيادة أسعار السلع فى الداخل لأن مصر دولة مستوردة للغذاء , ومفهوم أيضا أن ارتفاع الأسعار العالمية للوقود سينعكس فى الداخل, ولكن فى هذا التوقيت معروف مسبقا توابعه وأثاره السلبية التى تهدد بالأساس الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة المهددة أبانها تندرج تحت خط الفقر، نجد الدولة تخلق أزمات جديدة منها حديث وزير التموين عن خفض الدعم, وبالتأكيد مثل هذا الحديث فى ذلك التوقيت يمثل أعجوبة ومهزلة!

وأكدت”العنترى” أن الارتفاع العالمى للأسعار يتبعه حتما ارتفاع فى أسعار المستورد, والارتفاع داخليا سوف يتضخم بسبب عدم وجود أى رقابة على الأسواق تحت دعوى حرية السوق , وبالتالى بسبب تخلى الدولة عن الرقابة وحماية المواطنين سوف يتضاعف الأثر كل هذا سيؤدى إلى الإطاحة بمستويات معيشة الفئات ذات الدخول الثابتة والمحدودة، وارتفاع نسبة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر، وتزايد حدة التفاوت الطبقى, وبالإضافة إلى الحديث عن تخفيض عجز الموازنة الذى يستدعى تخفيض الدعم , فإن الأمر يمثل نكبة كبرى يتحملها الفقراء,لافتة إلى أن الخروج من الأزمة يستدعى زيادة الدعم لحماية المواطنين والحفاظ على الطبقات الدنيا والمتوسطة من السقوط فى براثن الفقر.

وتشير د.سلوى إلى انه خلال الأزمة الاقتصادية العالمية  التى حدثت عام 2008 وأدت إلى زيادة معدلات التضخم وصلت وقتها فى مصر إلى  أكثر من 30% الدولة قامت وقتها بإضافة المواليد التى كانت متوقفة منذ سنوات طويلة وزيادة الدعم وضم مواطنين جدد للاستفادة من الدعم, وكان أصحاب نظرية الاقتصاد الحر وقتها يطالبون الحكومات بزيادة الدعم حتى لو دخلت فئات غير مستحقة, هذا أفضل من حرمان مواطنين مستحقين وكان هذا الفكر الرأسمالى وقتها.

وذكر البنك الدولي  عام 2010،  في دراسة عن الفقر في مصر أنه مع أزمة ارتفاع أسعار القمح والمحاصيل الغذائية العالمية فإن دعم الغذاء نجح في حماية ١٢٪ من الأسر المصرية من النزول تحت خط الفقر، دراسة البنك الدولي أشارت أيضاً إلى أنه برغم نسب التسرب في دعم الغذاء لغير مستحقيه، إلا أن فعالية برنامج الدعم كانت عالية جداً في تغذية الملايين وفي حماية الأسر من الوقوع تحت خط الفقر.

روشتة علاج

وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أن استمرار سيناريو ارتفاع معدل الأسعار يزيد من أوجاع الفقراء ومحدودي الدخل، مشيرة إلى أنه لتفادى الاثار الكارثية لأزمة ارتفاع الأسعار  يجب على الحكومة أن تتدخل لحماية محدودي الدخل وقيامها بدورها فى ضبط الأسواق, حتى لا يكون الأثر مضاعفا, حيث أرجعت ” العنتري” أسباب تضاعف الأسعار إلي غياب دور الأجهزة الرقابية للحكومة علي الأسواق وترك الساحة للقطاع الخاص والتجار في التحكم بالسوق والقيام بممارسات احتكارية تضر بالمواطن والاقتصاد لتحقيق مصالح شخصية.

وقالت ” العنتري” إن الحل للسيطرة علي الموقف يتمثل فى إحكام السيطرة على الأسواق ,الأمر الثانى:عدم المساس بقيمة الدعم الحالى بل محاولة زيادته للحيلولة دون زيادة معدلات الفقر ,لأن تخفيض الدعم يضاعف الأثر على الفقراء.

وفيما يخص قيام الدولة بعمل مشروعات جديدة طالبت د”سلوى العنترى” أن تقوم الدولة بتعيين مدرسين وأطباء وذلك لتغطية النقص فى وزارة التربية والتعليم والصحة ومن ناحية أخرى خلق فرص عمل بأجور مناسبة لرفع مستوى معيشة المواطنين, وهذا دور الدولة لأن هناك نقصا حقيقيا فى هذه القطاعات,أما فكرة بناء مصانع جديدة فاعتقد أن الحكومة ما يشغلها مغازلة القطاع الخاص لزيادة الاستثمارات.

مواطنون عاجزون

أما د.شريف الدمرداش،الخبير الاقتصادى، فأكد أن الشخص الفقير هو الذى يعجز دخله عن الوفاء بالتزاماته واحتياجاته الأساسية, ومن الطبيعى مع الزيادات الأخيرة فى الأسعار وارتفاع أسعار السلع والخدمات سوف تعجز الشرائح الدنيا والمتوسطة فى المجتمع عن مواصلة الحياة, وسوف تندرج فئات كثيرة تحت مسمى الفقراء , خاصة أن الزيادة فى الأجور لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار ولا مع معدلات التضخم .

تابع الخبير الاقتصادى من المتوقع أن تتزايد معدلات الفقر فى السنوات المقبلة فأغلب المواطنين عاجزين عن تلبية احتياجتهم الاساسية كالمأكل والملبس والمأوى .وأضاف أن الحل لن يحدث إلا بزيادة السلع والمنتجات المصنعة محليا, وضبط الأسعار وإحكام السيطرة عليها.

وأضاف لابد من توفير مصدر عمل يوفر للعامل وأسرته دخلا يكفى الحياة الكريمة, مشيرا إلى أن القضاء على الفقر يتطلب القضاء على البطالة وإعادة تشغيل مصانع القطاع العام , فالحكومة انسحبت منذ سنوات طويلة من مجال الإنتاج وتركت مصانع القطاع العام تتهاوي. فالمصانع تعمل بجزء ضئيل من طاقتها ولا تجد المواد الخام والمستلزمات الضرورية لتشغيلها بطاقتها الكاملة.

وأشار إلى أن السياسات اللازمة للقضاء على البطالة والمواجهة الجذرية للفقر، تتطلب بالضرورة وقتا لإنجازها. ومع ذلك هناك عدد من الإجراءات الممكنة لتحقيق تحسن سريع فى حياة الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، الذين يتحملون تكلفة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادى وايضا ارتفاعات الأسعار العالمية ومن هذه الإجراءات: تخفيض المستوى العام للأسعار ووضع حد أقصى لهامش الربح فى مجالات النشاط المختلفة, وضبط الأسواق ,عدم رفع أسعار السلع التموينية, توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى للفلاح بأسعار منخفضة. تفعيل أهم أدوات الحكومة للسيطرة على الأسعار وهو تدخلها المباشر كمنافس للاحتكارات الصناعية والتجارية وتوفير السلع والخدمات والسكن والنقل العام بأسعار منخفضة.

العودة للزراعة

أما د.بسنت فهى ، الخبيرة الاقتصادية, فتتوقع استمرار زيادة الأسعار العالمية وبالتالى تأثيرها على السلع الأساسية فى مصر خاصة فى ظل أزمة ارتفاع أسعار الطاقة وتأخر الشحن , والتغيرات المناخية التى سوف تقلل من الإنتاج الزراعى بالخارج كل هذه العوامل سترفع الأسعار وبالطبع سوف ينعكس هذا على الأسعار محليا سواء الآن أو بعد نفاد المخزون الاستراتيجى لدينا .

وأوضحت أن الدولة غير قادرة على تحمل فروق الأسعار، لأنها حددت مخصصات الدعم فى الموازنة العامة للدولة بمبلغ 84 مليار جنيه, وليس لديها مخصصات لارتفاع أسعار السلع, قائلة :هتجيب منين ؟!وبالتالى ستضطر إلى تحميل هذه الفروق للمواطن, ويصبح المواطن هو ضحية لارتفاع الأسعار مشيرة إلى أن الحل فى يد المواطنين أنفسهم , فنحن للأسف أهملنا الزراعة منذ عشرات السنين , واعتمدنا فى غذائنا على الخارج, وفى ظل ارتفاعات الأسعار المستمرة لا بديل لنا إلا العودة للزراعة فبدلا من استيراد, وفى ظل تنفيذ مشروع حياة كريمة فى المدن سيتم فتح فرص عمل للشباب بدلا من الهجرة إلى المدن, وهذا سيؤدى إلى رفع مستوى معيشة المواطنين , فليس أمامنا سوى العمل والإنتاج للخروج من الأزمة, وإعادة فتح المصانع, التوسع فى المشروعات الصغيرة.

تحسين الخدمات

أما د.سامية قدرى، استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، فأوضحت انه عند مواجهة الفقر وحماية الطبقة المتوسطة من الانزلاق تحت خط الفقر لابد من  العمل على نوعين من الفقر وهما فقر القدرة والفقر المادى, مشيرة إلى أن فقر القدرة يعنى عدم عدم امتلاك القدرات التي تمكن  الأفراد الخروج من دائرة الفقر، مثل ملكية بعض الأصول، كالأرض أو المسكن أو التعليم والمهارات الفنية، والمستوى الصحي الملائم , أما الفقر المادى هو عدم  قدرة الفرد على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من الطعام والمسكن والملابس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات, ومواجهة الفقر المادى يتطلب تحسن دخل الفرد حتى يستطيع تلبية احتياجاته الأساسية, وبالتالى تحسين مستوى معيشته .

أما مواجهة فقر القدرة فيجب العمل على توفير الخدمات الصحية والتعليم الجيد وتوفير بيئة نظيفة ووسائل مواصلات بأسعار مخفضة واماكن للسكن ملائمة ..وبالتالى فدور الدولة أن تعمل على المحورين لمواجهة تزايد معدلات  الفقر الأول: توفير فرص عمل للمواطنين لتحسين الدخل ,وتحسين مستوى المعيشة , أما المحور الثانى تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

 الطبقة الوسطى وانهيار القيم

فيما تتحدث د.سامية خضر، استاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس ، عن خطورة انهيار الطبقة الوسطى وانضمامها إلى الطبقة الفقيرة مؤكدة أن الطبقة الوسطى هى أهم طبقات المجتمع سياسيا وتنمويا وعمليا, فهى تحمل مسئولية التوازن بين الطبقات ومن ثم يعتمد عليها فى التوازن الاقتصادى والسياسى بين طبقات المجتمع الواحد, وهى التى تؤثر فى تشكيل المزاج الاجتماعى العام وحماية القيم الاجتماعية والثقافية من الانهيار حيث إنها أحد الأعمدة الأساسية للاستقرار السياسى والسلم الاجتماعى لأنها تفضل دائما الاعتدال فى المواقف ولذلك فإن الضغوط التى تهدد هذه الطبقة هى الأكثر تأثيرا على الاستقرار السياسى والاجتماعى .

وأوضحت أن الاحتفاظ بالطبقة الوسطى لن يكون بحمايتها من الانهيار المادى فحسب , ولكن هناك أيضا المستوى الثقافى لافتة إلى أنه رغم غياب الفراغ الثقافى فى المجتمع إلا أننا لم نلتفت إلى خطورته, فانحدار الذوق المصرى وانتشار العنف وغياب القيم كل هذه السمات لا تأتى بالصدفة وإنما تظهر على الساحة عندما تتهيأ لها الأرضية والمناخ والبيئة المناسبة له, فغياب الثقافة والوعى وانحدار المستوى الاقتصادى لأغلب أسر الطبقة الوسطى أدى إلى انشغال رب الأسرة فى جمع المال, وأصبح أصحاب الأموال هم الذين يفرضون سيطرتهم وثقافتهم, فنحن نمر بعملية تفريغ ثقافى على جميع المستويات ويكفى أن ننظر نظرة سريعة على ما نشاهده ونسمعه في وسائل الإعلام يشعرنا بمدى الخطورة التي نواجهها, فعندما نجد انتشارا لدراما العنف والمخدرات وأغانى المهرجانات والاحتفاء بها في الوقت الذي يغيب عن الساحة المثقف القدوة وصعود رموز الأغانى الهابطة كل هذا يؤكد حدوث خلل سلوكي داخل المجتمع وتسبب في انقلاب القيم يتمثل فى تآكل الطبقة الوسطى حامية المجتمع وحاملة الثقافة وهذا التآكل ليس وليد هذه اللحظة ولكنه بدأ منذ اتباع سياسة الخصخصة في التسعينيات.

وأكدت د”سامية خضر ” أهمية مواجهة أى تدهور لمستوى الطبقة الوسطى لحماية المجتمع ومن ثم لابد من التركيز على قطاعات متعددة من أهمها الصناعة والزراعة والخدمات لتقليل البطالة. ولابد ان نعرف ان هناك علاقة بين هذا التدهور وانخفاض مستوى جودة التعليم واثره على زيادة الفقر ومن ثم لابد من  الاهتمام بالتعليم والثقافة والقضاء على الامية ونشر الوعى من خلال الاعمال الدرامية الهادفة ومواجهة الزيادة السكانية كل هذا يصب فى مواجهة الفقر وحماية الطبقة الوسطى.

التعليقات متوقفه