فريدة النقاش تكتب:عن جشع التملك

175

قضية للمناقشة

عن جشع التملك

فريدة النقاش

عبر النائب “طارق الخولي” عن قلقه من تزايد معدلات العنف مؤخرا في الأسرة المصرية, فأينما التفتنا تواجهنا مظاهر عنف لا داخل الأسرة فحسب, وانما ايضا في الشارع وفي المواصلات العامة, وفي مواقع العمل. ولابد أن مراكز البحوث قد التفتت الي هذا المتغير في حياتنا, وعلينا ان نسعي لمعرفة النتائج التي توصلت اليها, فتضاف الي مشاهداتنا وما نراه في الواقع سعيا للتعرف الحقيقي علي الظاهرة المقلقة.

وكثيرا ما يلفت نظري العنف ضد الاطفال, والذي يبرره الكبار أحيانا بأن الهدف منه هو التربية, وذلك رغم أن علوم التربية قد بينت لنا بعد دراسة الممارسات المتنوعة للعنف أن هذا العنف هو أسلوب قديم عفى عليه الزمن, وبين العلماء مخاطره علي بناء شخصية الانسان.

وتبين لنا النتائج ان اول ما يترتب علي العنف- خاصة ضد الاطفال- هو ضمور ملكات الابداع, وهو الضمور الذي ينتجه الخوف من الخطأ, ونحن نعرف- من تجربتنا- ان من يعمل لابد ان يُخطي أحيانا.

وإذا شئنا أن نكون رؤية شاملة لتفاقم العنف لا في مجتمعنا فقط وانما في المجتمعات كافة علينا ان نحلل المكونات العامة التي ستساعدنا على انتاج هذه الرؤية الشاملة.

لعل أول ما سوف نعرفه هو هذه الحالة – شبه العامة- من عدم الرضا, فالشباب غير راض عن واقعه ويسعي الي الهجرة, وغالبية النساء يرون ان المجتمع ظلمهن حين حشرهن في زاوية المؤنث الذي هو والنقصان سواء, وقد اختارت الغالبية من النساء قبول هذه الاوضاع وكأنهن راضيات عنها، ولكن بينت دراسات جادة انه مجرد رضا ظاهري حتي تسير الحياة. ذلك ان المعطيات الجديدة- في عصر حقوق الانسان عملت علي تفتيح القلوب والعقول علي احتياجات جديدة يتطلبها العصر, وعلى رأسها حفظ الكرامة الانسانية والمساواة في الحقوق والواجبات.

واصطدم التطلع الي المساواة علي مدار التاريخ الانساني بملكية الثروة, خاصة ان البشرية عرفت في طفولتها ما اطلق العلم عليه وصف المشاعية البدائية حين لم يكن الانسان قد عرف بعد الملكية الفردية للثروة.

ورغم كل المحن والالام التي تعرض لها الانسان علي مدار تاريخ تطوره, فقد راكم من الخبرة والتجربة والمعارف والآفاق التي فتحها له العلم ما أعانه في كل مرحلة من مراحل تطوره علي انجاز الجديد, والاضافة الي التجربة البشرية معارف وخبرات وفتح آفاق.

ورغم ان الانسان استبقي من تاريخه القديم- حين كان لا يزال وحشا- استبقي بعض مظاهر العنف والقسوة التي انفجرت في شكل حروب وصراعات من اجل الثروة والسلطة, فإنه استطاع عبر الحضارة- أن يروض الوحش داخله, وتبارت مدارس الفكر في السعي الي بناء انساق انسانية جديدة لتكون جديرة بالانسان الذي انتزع نفسه بارادته من عالم الوحوش, وان كان “نجيب محفوظ” قد أخذ يذكرنا بأن الوحش قديم والانسان جديد وكثيرا ما يقفز الوحش لمقدمة المشهد, خاصة عندما تحتدم الأزمات وتنفجر العداوات.

تمكن الانسان الذي صنع نفسه علي مدار التاريخ تاركا خلفه تراث الوحوش والغابات من بناء مملكة جديدة قوامها المثل العليا الانسانية, وأرشدته الفلسفات والمذاهب والديانات الي ما فيه الخير والتواؤم, حتي خرجت الملكية الخاصة للثروات الي الوجود, فظهر الوحش من جديد مكشرا عن أنيابه, دفاعا عن مصالحه الخاصة التي هي قدس اقداسه.

ولكن الانسان لم يتوقف عبر تاريخه- خاصة الحديث منه- عن ابتداع السبل والطرائق, وخرجت المدارس الاشتراكية لتقول لنا أي جشع الملكية الخاصة هو اصل البلاء,  لأنه اطلق شره الاستحواذ, خاصة بعد انقسام المجتمع الانساني الي طبقات, ولم تقتسم هذه الطبقات الثروات فيما بينها بالتراضي خاصة بعد أن نجح العلم في تعظيم هذه الثروات, وفتح آفاقا بلا حدود أمام التقدم الانساني.

وهكذا اصبح الصراع الطبقي حاسما في العالم المعاصر, وهو ما أجج تطلع البشر- أو غالبيتهم- للبحث عن طرائق جديدة لاقتسام الثروات, وعبرت الاداب والفنون والفلسفات عن تناقضات الوضع الجديد, في الوقت الذي لم تتوقف فيه اجتهادات البشر للبحث عن أفق للعدالة والانسانية في مسيرة بلا نهاية, ذلك أن التاريخ الانساني لا ينتهي, كما أن جشع التملك لن ينتهي إلا بالوصول إلي العدالة الحقة.

التعليقات متوقفه