خلال النزاع فى جنوب شرق أوكرانيا:أوكرانيا استخدمت المسيرات التركية فى الدنباس

روسيا اعتبرت أن القوات الأوكرانية تخرق اتفاقية مينسك

162

صبرت روسيا كثيراً على هوائية الرئيس التركى إردوجان، فبعد تدخله فى سوريا وإنشاء منطقة عازلة تمتد بطول شمال سوريا بل والقيام بعملية أتركة للمناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش التركى، وقيامه بمساعدة العناصر الإرهابية ومنع القضاء عليها فى إدلب. والموقف التركى فى ليبيا، هذان الموقفان يتعارضان تماماً مع الأهداف الروسية سواء فى ليبيا أو فى سوريا، لكن ما زاد الطين بلة هو التدخل التركى المباشر فى النزاع الطويل والمزمن فى جنوب القوقاز.
فمنطقة النفوذ الروسية والمتمثلة فى وجود أرمينيا حليفة روسيا والطرف الآخر فى النزاع مع أذربيجان للسيطرة على نارجورنوكاراباخ، حيث تعتبر أرمينيا عضوا فى اتفاقية الأمن الجماعى مما أحرج روسيا بعدم تدخلها المبكر قبل النصر الذى حققته باكو فى الحرب بمساعدة ودعم أنقرة التى دعمت الأولى بالطائرات المسيرة بايراكتار والخبراء بهدف أن تجد لها منفذ إلى منطقة تركستان بوسط آسيا والتى تمتد حتى حدود الصين شرقاً.
لكن تدخل الطائرات المسيرة التركية التى اقتنتها أوكرانيا مؤخراً من تركيا قلب موازين المعادلة على الأقل بين أوكرانيا والجمهوريتين اللتين أعلنتا عن استقلالهما من جانب واحد “جمهورية دنيتسك الشعبية” و “جمهورية لوجانسك الشعبية” وكانت وسائل الإعلام الأوكرانية قد أذاعت صورا لما قالت إنه هجوم على أحد المواقع “لجمهورية دنيتسك الشعبية” المتمردة على السلطات الأوكرانية والتى تدعمها روسيا كما تقول أوكرانيا. أسفر الهجوم عن تدمير مدفع ولم يحدث خسائر فى الأرواح وهو ما فسره المحللون باستخدام ذخيرة ليست شديدة التدمير.
دعم قدرات اوكرانيا
من المعروف أن أوكرانيا فى الفترة الأخيرة تحاول دعم قدراتها العسكرية عن طريق الحصول على دعم عسكرى من حلف الناتو وخبراء عسكريين، بالإضافة إلى شراء الطائرات المسيرة التركية، تجدر الإشارة إلى أن تركيا تدعم أوكرانيا فى نزاعها مع روسيا سواء فيما يتعلق بالقرم أو الدنباس، وفى تقديرى أن تركيا تدعم أوكرانيا فى الدنباس لأنها تعتبر نفسها صاحبة حق فى القرم، فقد أطلقت أوكرانيا يدها للعمل مع مسلمى القرم ثقافياً كما أن تتار القرم يتحدثون اللغة التركية بل أن خطبة الجمعة تقرأ هناك باللغة التركية.
طائرات مسيرة
أوكرانيا لأول مرة الأسبوع الماضى تستخدم الطائرات المسيرة بيراكتار فى شن هجوم، فقد كانت تستخدمها فى عمليات الاستطلاع فقط، ومن هنا لم تكن الدفاعات الروسية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود على استعداد للتعامل معها، حيث استخدمتها القوات الأوكرانية للمرة الأولى فى هجوم. كانت أوكرانيا قد اتفقت على شراء المسيرات التركية فى بداية العام الجارى واثناء زيارة قام بها الرئيس الأوكرانى لأنقرة، وعده الرئيس التركى خلالها بأنه لن يعترف بالقرم كجزء من روسيا.
ردود الفعل
جاءت ردود الفعل متباينة على عملية استخدام المسيرات التركية فى نزاع الدنباس، فقد أكدت وزارة الخارجية الألمانية على أن الطائرات المسيرة يجب أن يستخدمها المراقبون من مجلس الأمن والتعاون الأوروبى فى إطار ما يعرف باتفاق مينسك للفصل بين القوات، غير أن ممثل الخارجية الألمانية عاد وبرر استخدام المسيرات فى نزاع الدنباس قائلاً إنه من الممكن أن يكون رداً على القصف المدفعى من قبل المتمردين والذى أودى بحياة أحد الجنود من الجيش الأوكرانى، قبل ذلك كان المتحدث باسم الجيش الأوكرانى قد أعلن أن القوات الأوكرانية استخدمت لأول مرة الطائرات المسيرة من طراز بيراكتار للهجوم على مواقع للمتمردين.
لكن الرد العنيف جاء من قبل روسيا سواء وزير الخارجية سيرجى لافروف أو المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، التى أعلنت أن الأوضاع فى منطقة الدنباس مثيرة للقلق، واعتبرت زخاروفا أن القوات الأوكرانية تخرق عن عمد اتفاقية مينسك وإجراءات وقف إطلاق النار الموقعة فى يوليو 2020 بشأن تشديد إجراءات وقف إطلاق النار، وأشارت إلى أن تصرفات كييف فى الفترة الأخيرة تشير إلى سعى أوكرانيا للاستيلاء على الدنباس بالقوة، وهاجمت السلطات الأوكرانية مشيرة إلى أنها عن عمد تحاول الوصول بالأمور لطريق مسدود.
وزير الخارجية الروسى كان حريصاً على ألا يصعد الأمور، أو يشير بأصابع الاتهام لدولة أو لشخص بعينه، وقال إن ما حدث سيجبر هؤلاء الذين يزودون أوكرانيا بالسلاح على التفكير، ثم عاد وأشار إلى حلف الناتو واتهمه بأنه يدفع أوكرانيا للقيام بمثل هذه الأفعال ويوهمها بأنه ستقبل فى اليوم التالى فى حلف الناتو الذى تحلم به من فترة طويلة. أما المتحدث الرسمى باسم الكرملين دميترى بيسكوف فقد صرح بأن تزويد تركيا لأوكرانيا بالطائرات المسيرة من طراز بيراكتار من الممكن أن يؤدى لعدم استقرار الوضع على خطوط التماس فى الدنباس.
العلاقات مع تركيا
كلام السياسة فيه شئ من الدبلوماسية خاصة أن الأمر يتعلق بالعلاقات مع تركيا، التى هى نفسها سمحت بإنشاء خط أنابيب غاز “السيل التركى” الذى أنشأته روسيا لتخطى وعدم استخدام خط الغاز المار عبر أوكرانيا، لكن حرمان تركيا من تأثيرها الثقافى فى القرم بلا شك كان له تأثير كبير على علاقة تركيا باستعادة روسيا للقرم، بالإضافة للعديد من المشروعات الكبيرة بالإضافة إلى تبادل تجارى تخطى 40 مليار دولار.
ورغم الغدر التركى المتكرر إلا أن الدب الروسى يتحمل كل ذلك فى صبر يحسد عليه، لكن يبدو أن الرئيس التركى يعرف كيف يلعب مع الدب الروسى، وإن كنت لا أعتقد ان هذا اللعب بلا نهاية، وبمجرد أن تواترت الأنباء عن استخدام أوكرانيا للمسيرات التركية فى قصف حلفاء موسكو فى الدنباس، خرج الرئيس إردوجان بتصريح أعلن فيه أنه قد يشترى الطائرات الروسية سوخوى ـ 35، بدلا من الأمركية إف ـ 35 الأمريكية التى ترفض الولايات المتحدة بيعها لتركيا، وكان الخبر برداً وسلاماً، قد تتغاضى روسيا عن كون تركيا لا تعترف بالقرم كجزء من روسيا وتزويد أوكرانيا بطائرات البيراكتار.
لكن الذى لا شك فيه أن الطائرات المسيرة التركية لعبت دورا مهما فى جنوب القوقاز وليبيا وهاهى تلعب نفس الدور فى الدنباس، فهل ستصبر روسيا التى تمتلك أيضاً طائرات مسيرة قامت بتصنيعها بالاشتراك مع الإسرائيليين، لكن كما يقول الخبراء أقل من حيث المدى وعدد ساعات الطيران. فى كل الأحوال التصعيد فى الدنباس قادم وقد تدخل، بل دخلت بالفعل منطقة الدنباس فى سباق تسلح بين حلف الناتو الذى بدأ يتسلل إلى المنطقة بزعم مساعدة أوكرانيا عسكرياً، وفى النهاية ستجد روسيا شقيقتها أوكرانيا فى أحضان الناتو على ما يبدو، عن طريق المساعدات والخبراء، وبذلك سيتخطى الناتو بالتدريج الخط الأحمر الذى رسمه له الرئيس بوتين، ولا أستبعد أن يحدث نفس الشئ فى جورجيا أو مولدوفا.
ضغط على روسيا
للاسف الضغط على روسيا كبير ومن نواحى عدة، ولا استبعد مما سبق أفغانستان التى تعتبر أيضاً بؤرة توتر لا أحد يدرى فى أى اتجاه ستنفجر، لكن مما لا شك فيه سيكون ذلك فى وسط آسيا، الحديقة الخلفية لروسيا حيث حلفاءها المقربين، كما أن إطالة النزاع فى الدنباس سيحدث حالة من الاستقطاب وسيؤدى إلى تورط دول أخرى فبالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى والناتو المنغمسين بالفعل فى النزاع، فقد نجد تركيا بمساعيها لبيع سلاح لأوكرانيا ليس أخره مسيرات البيراكتار، كما أننى لاحظت إعجاب أوكرانى بأذربيجان باعتبارها انتصرت على أرمينيا المدعومة وحليفة روسيا، فى الوقت الحالى الأولوية على جدول الأعمال بالنسبة لأوروبا وبالطبع ضمنها أوكرانيا مشكلة أسعار الغاز، لكن لا شك التصعيد قادم مع تدفق السلاح الروسى على جنوب شرق أوكرانيا سواء للجمهوريتين اللتين لا يعترف بهما أحد (قد يؤدى التصعيد الأوكرانى لاعتراف روسيا بهما)، وتدفق السلاح الغربى على أوكرانيا، وقد ينتهى الأمر بحرب واسعة.
لكن وربما أهم ما أسفر عنه استخدام المسيرات التركية التى قيل أنها تراقب خطوط التماس مع الدنباس ومع القرم، هو ما أفصح عنه وزير دفاع جمهورية دنيتسك الشعبية السابق إيجور ستريلكوف، الذى قال إنه كان يتوقع استخدام أوكرانيا للمسيرات التركية الصنع وإلا لماذا حصلت عليها، لكن السر الأكبر الذى افصح عنه عندما سئل عن ردود الفعل الروسية، المكتفية بالتصريحات النارية والدبلوماسية فقط، سواء على التدخل التركى فى ليبيا أو فى جنوب القوقاز ضد حليفة روسيا أرمينيا إلى جانب أذربيجان قال ببساطة لأن روسيا رهينة عند إردوجان، فقوات روسيا متمركزة فى سوريا، وإذا أغلق إردوجان مضايق البوسفور والدردنيل، فإننا سنبقى دون إمدادات أو دعم لقواتنا، نحن لسنا على استعداد لكى نقوم بإمداد قواتنا فى سوريا أن نلف حول العالم فى حين أنها أى سوريا نفسها فى أحضان تركيا على مرمى ذراع، فى اعتقاد الكثير من الخبراء هذا يعتبر السبب الرئيسى لصبر روسيا على تركيا فى كل التقاطعات السياسية حول العالم، وبالطبع بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والتجارية. لكن قضية استخدام المسيرات التركية لن تمر مرور الكرام أو بدون عقوبات روسية على الأقل تجارية على تركيا. لكن ما أعرفه والمؤكد أن تصدعاً سيحدث فى العلاقات بين تركيا وروسيا. لننتظر هل ستشترى تركيا إف ـ 16 أم سو ـ 35.

التعليقات متوقفه