أزمة الطاقة العالمية …. الأسباب والتداعيات:ارتفاع الأسعار سيؤدى إلى ارتفاع حاد لمعدلات التضخم في العالم

خذل الأمريكيون أوروبا وصدروا الغاز المسال لجنوب شرق آسيا حيث الأسعار الأعلى

192

تحولت روسيا من مرحلة رد الفعل، إلى الدور الرئيسى والفاعل فى قضايا الطاقة، وبدلا من أن تكون الطاقة أحد أسباب انهيار الأمبراطورية السوفيتية فى بداية تسعينيات القرن الماضى، عندما زادت المملكة العربية السعودية من إنتاجها النفطى فانخفضت أسعار النفط بدرجة كبيرة، ما أدى إلى انهيار اقتصاد الدولة السوفيتية التى خرجت لتوها من حرب أفغانستان، وكانت تعتمد بدرجة كبيرة على المحروقات فى ميزانيتها، فحدث الانهيار بسبب عدم قدرة الاتحاد السوفيتى على الوفاء بالتزاماته أمام مواطنية، أما فى عالم اليوم فقد تعلمت روسيا الدرس وتحولت إلى اللاعب الرئيسى فى أزمة الطاقة الحالية التى يمر بها العالم الآن سواء من خلال التحكم فى الأسعار عبر أوبك بلس، أو تحديد أسعار الغاز لأوروبا أكبر مستورد للغاز الروسى (حوالى 40% من احتياجاتها).
فقد شهد شهر أكتوبر الجارى دراما من العيار الثقيل دارت فصولها فى القارة الأوروبية بالدرجة الأولى، وإذا أضفنا إلى ذلك الصين نجد أن هناك خطورة سياسية واقتصادية كبيرة على الاقتصاد العالمى خاصة فى حال ما إذا كان الشتاء قارساً كما يتوقع خبراء الأرصاد، ولن نذهب بعيداً ففى بعض مقاطعات الصين بدأت عملية إغلاق مصادر الطاقة للمنازل، مع تهديد لبعض المراكز الصناعية التى تنتج أكثر من نصف الناتج الإجمالى المحلى فى الصين، لك أن تتخيل الضرر الذى من الممكن أن يلحق بالاقتصاد العالمى.
منذ عام فقط كان سعر الغاز فى أوروبا يعادل خمس الأسعار الحالية، وهو ما دفع الرئيس بوتين إلى عقد ما عرف باسم “كونجرس الطاقة” أو أسبوع الطاقة فى العاصمة الروسية حضرته الدول المنتجة للنفط والغاز، وأرسلت الولايات المتحدة للكونجرس مذيعة أو لنقل محاورة مستفزة من قناة سى إن بى سى لإجراء حوار مع الرئيس بوتين على هامش المؤتمر، أقل ما توصف به بأنها مستفزة، لكن عن هذا فى نهاية المقال. وعن أسباب أزمة الطاقة الحالية يمكن ذكر الأسباب على الوجه التالى: 1ـ توقع شتاء شديد البرودة فى أوروبا هذا العام (وفق الأرصاد الجوية) 2ـ تحول الأوروبيين إلى تعاقدات الغاز قصيرة الأجل بدعوى الاستعداد للانتقال إلى الطاقة المتجددة، وهو الأمر الذى رفضته روسيا، التى أنشأت السيل الشمالى ـ2 لزيادة الإنتاج المصدر لأوروبا متخطية أوكرانيا للضغط عليها سياسياً، وهو أمر أقل ما يوصف به بأنه مسألة تفتقر إلى المهنية من الجانب الأوروبى. 3ـ الطلب الكبير من الصين على المحروقات، بعد أزمة كورونا 4ـ سياسة الولايات المتحدة التى وعدت أوروبا بإمدادها بأى كمية من الغاز المسال، فى حالة نقص الإمدادات الروسية، ثم الانتقال لسد حاجة جنوب شرق آسيا، حيث توريد الغاز لآسيا أكثر ربحية، لارتفاع سعره. الأزمة بدأت عندما حدث خفض حاد بنسبة 20% لكميات الغاز المسال المصدرة لأوروبا، واتجاهها لجنوب شرق آسيا حيث السعر أعلى. 6ـ عنصر أهم وهو أن شركة غازبروم الروسية العملاقة قلصت فى شهر يوليو الماضى من كمية الغاز المصدرة لأوروبا بنسبة 10%، ثم تحولت روسيا إلى خط الغاز يامال – أوروبا وتوقفت عن بيع الغاز من خلال البورصة حتى نهاية العام الجارى. كما هو معروف الاقتصاد الأوروبى لا يستطيع تحمل هذه القفزات الحادة فى أسعار الغاز.
مما لا شك فيه أن روسيا تريد أن يسرع الأوروبيون كذلك فى إعطاء التصاريح لخط الأنابيب السيل الشمالى ـ 2، كما أن روسيا تريد أن تتخلص من الضغوط الأوروبية على خط المواجهة الأوكرانى، حيث تطالب أوروبا روسيا بأن تمرر جزءا من الغاز عبر خط الأنابيب الأوكرانى، وروسيا من جانبها مستعدة لذلك، بشرط أن يوقع الأوروبيون اتفاقيات طويلة الأجل، حيث سيؤثر هذا على أسعار الغاز، وسيكون مفيداً لحليفة الأوروبيين أوكرانيا التى توقف خط أنابيب الغاز الخاص بها عن العمل. وفى تصورى أن أكثر دولة أوروبية متضررة من أزمة الطاقة هى أوكرانيا لأنها ترفض شراء الغاز من روسيا وتشتريه عبر أوروبا بسعر أكثر مما تشترى به أوروبا، فما بالك وأسعار الغاز هذه الأيام ارتفعت بشكل جنونى.
لن تمر أزمة الطاقة الحالية على العالم مرور الكرام، فارتفاع الأسعار الحالى سيؤدى إلى الارتفاع الحاد لمعدلات التضخم حيث وصلت هذا العام فى الولايات المتحدة 5,3% بينما كانت فى عام 2020 1,3%، أما فى منطقة اليورو فوصلت إلى 3,4% بينما وصلت فى العام الماضى 0,3%، وهذا سينعكس بلا شك على أسعار السلع المنتجة كما أن الأزمة الحالية ستحدث هزة عنيفة فى الاقتصاد العالمى ومنظومته المالية، وبالطبع ستوجه أصابع الاتهام إلى كل من روسيا والصين، ويتوقع خبراء ظهور حالات إفلاس كثيرة لم تشهدها أوروبا منذ زمن بعيد.
وهنا يبرز سؤال هل العالم يتحدث عن “حرب طاقة” الكثير من الخبراء يجيبون على هذا السؤال بأن العشر سنوات القادمة هى الحكم، وفى تقديرى هناك عدة عوامل ستهدئ من حالة السعار على الطاقة فى العالم فى الفترة القادمة، ومنها 1ـ إسراع العالم فى الاتجاه للطاقة البديلة، خاصة فى أوروبا. 2ـ أسعار الطاقة الحالية ستجعل منتجا كبيرا للطاقة مثل الولايات المتحدة النزول للسوق بثقلها من خلال الغاز والنفط الصخريين، لأنه الأسعار الحالية ستجعلهما مربحين اقتصاديا فى الاستخراج 3ـ والأهم أن الاقتصاد العالمى مترابط وبالتالى فارتفاع أسعار السلع المنتجة فى أوروبا أو الصين وكنتيجة لارتفاع أسعار المحروقات سينعكس هذا بلا شك على منتجى المحروقات والمتحكمين فى أسعارها.
نعود لكونجرس الطاقة ومذيعة قناة سى إن بى سى هيدلى جيمبل، والتى ربما كان الهدف من إرسالها استفزاز الزعيم الروسى، أولا بطريقة ملابسها وجلستها وأسلوب طرحها للأسئلة، غير أن الرئيس بوتين، الذى كان يحضر أسبوع الطاقة فى روسيا والذى حضره منتجو الطاقة فى العالم، استطاع أن يتخطى الاستفزاز عندما كررت له نفس السؤال الذى أجابها عنه من قبل فقال لها “امرأة جميلة وجذابة، أنا أقول لها شيء، وهى تتحدث عن شيء آخر تماماً، كما لو كانت لم تسمع ما قلت” ـ بكتّها الرئيس بوتين، وكما قالت الصحافة الروسية إن الصحفية بدت مؤثرة بجمال ساقيها وملابسها التى تكشف أكثر مما تغطى، أما الهدف من مثل تلك الملابس ومن إرسال الصحفية للرئيس بوتين يبقى تفسيره لدى الجانب الأمريكى.

 

التعليقات متوقفه