زيارة ميركل لكل من موسكو وكييف.. نهاية حقبة

193

فى زيارة وصفتها وسائل الإعلام الغربية وحتى المحلية فى كل من موسكو وكييف بأنها زيارة وداعية، قامت بها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لعاصمتين من عواصم الاتحاد السوفيتى السابق على طرفى نقيض هما موسكو وكييف، وإذا كانت زيارة ميركل لموسكو تحمل طابع التوصية ومحاولة الحصول من موسكو على تنازلات فيما يتعلق بأزمة الدنباس بشرق أوكرانيا وبعض الملفات الأخرى، فإنها جاءت لكييف العاصمة الأوكرانية لتطييب الخواطر، بعد حسم المانيا ومن خلفها الولايات المتحدة لموقفها من مشروع خط أنابيب الغاز “السيل الشمالى ـ 2”.
زيارة ميركل لموسكو جاءت عشية سقوط كابل عاصمة أفغانستان فى أيدى القوى الظلامية ممثلة فى حركة طالبان، ومن هنا أشار بعض المراقبين إلى هناك ثمة صفقة بين روسيا والمانيا فيما يتعلق بالمستجدات الطالبانية، ومنها على سبيل المثال أن الرئيس بوتين يستطيع التأثير على حركة طالبان (حدثت لقاءات فى موسكو قبيل سقوط العاصمة الأفغانية بأيام معدودة).
وحدة الدولة
ورغم التكهنات الكثيرة حول لقاء الرئيس بوتين بالمستشارة الألمانية التى تعيش أيامها الأخيرة فى مبنى المستشارية الألمانية، حيث ستجرى انتخابات البوندستاج فى السادس والعشرين من سبتمبر الجارى، غير أن المستشارة أكدت على تمسكها بوحدة وسلامة الأرض الأوكرانية، أما موضوع “السيل الشمالى ـ 2” فقد أكدت المستشارة على موقفها السابق وهو الإصرار على تنفيذ المشروع، مع التأكيد على عدم استخدامه كوسيلة للضغط السياسى، ومع تنفيذ روسيا لاتفاقها مع أوكرانيا بعبور الغاز عبر أراضيها حتى عام 2024، وعلى الرغم من غضب أوكرانيا للموقف الألمانى والذى اعتبرته كييف على أنه تخلى عنها، واعتبره بعض السياسيين فى أوكرانيا أن أوروبا تستخدم الورقة الأوكرانية لتسوية خلافات عالقة مع الكرملين.
بينما فسر آخرون عدم حضور وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس للمؤتمر الخاص بالقرم والذى عقد فى العاصمة الأوكرانية كييف، وأرسلت المانيا بدلا منه وزير الاقتصاد والطاقة بيتر ألتماير، باعتبار هذا جزءا من الصفقة أو التسوية مع روسيا التى أشار إليها بعض المشككين الأوكران، وهو الأمر الذى لم تنفه أو تؤكده الخارجية الألمانية، وهو ما جعل بعض السياسيين الأوكران يهددون باللحوء للصين فى حال تعنت أوروبا فى قبولهم بالاتحاد الأوروبى وحلف الناتو!، الغريب أن إيطاليا وفرنسا قامتا كذلك بخفض مستوى تمثيلهم فى “مؤتمر القرم”، مما سكب الزيت على النار حول بيع أوروبا للمصالح الأوكرانية.
المستشارة الألمانية التى تنهى حقبة مهمة من العلاقات الروسية ـ الألمانية أشارت إلى أنه خلال أعوام وجودها فى السلطة تباعدت المنظومتان السياسيتان فى كل من المانيا وروسيا بدرجة كبيرة، لكنها فى نفس الوقت اعربت على أن الصمت مستحيل فى مثل هذه الحالة. ومن وجهة نظر المستشارة ميركل قائمة المشاكل العالقة كبيرة، اخرها كانت استيلاء طالبان على الحكم وبالطبع بيلاروسيا والمنظومة السياسية فيها، إضافة إلى المدون الروسى نافالنى الذى طالبت ميركل بالإفراج عنه، وبالطبع القضايا التى أصبحت مزمنة مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا، وحظر عمل ثلاث منظمات مجتمع مدنى المانية فى روسيا.
ضمانات تدفق الغاز
مراقبون اعتبروا أن الهدف الرئيس لزيارة ميركل لموسكو، كان الحصول على ضمانات من الرئيس الروسى فيما يتعلق باستمرار تدفق الغاز الروسى إلى أوروبا عبر منظومة نقل الغاز الأوكرانية والحفاظ على الدور الأساسى لأوكرانيا كناقل للغار الروسى إلى أوروبا كما وعدت ميركل كييف، فقد اقترحت المستشارة الألمانية الحفاظ على استمرار تدفق الغاز عبر أوكرانيا (حتى لو بأقل كمية) مع توقيع عقود طويلة الأجل لأوروبا بشراء الغاز الروسى.
بقى كذلك دون رد الأمر الخاص بسماح طالبان لكل من يريد من مواطنى أفغانستان بالسفر دون عوائق، بهذا الشكل أو ذاك هذا سيساعد دول الغرب، فى المحصلة النهائية بدت زيارة ميركل الوداعية غير ناجحة تماماً ومن الممكن القول أنها وضعت خطوطا عريضة لخليفتها أن يسير عليها عند تولى الحكم، وروسيا من جانبها ورغم العلاقات الطيبة للرئيس بوتين بالمستشارة الألمانية وبألمانيا بصفة عامة ربما كان يفضل التعامل مع خليفة ميركل على أساس مدة أطول، إنها مصالح الدول، لا عواطف هنا.
خيبة أمل أوكرانيا
ونأتى إلى زيارة ميركل لأوكرانيا يوم 22 أغسطس، نفس ما حدث فى موسكو، فلم تجد المستشارة تفهم لمواقفها، رغم الكلمات التى قيلت فى إطار امتداح مواقفها مع أوكرانيا، فقد أكدت ميركل على أنها ستدافع عن وحدة وسلامة الأراضى الأوكرانية “حتى أخر يوم من وجودها فى منصبها”، خيبة أمل الجانب الأوكرانى كان سببها عدم حضور المستشارة للمؤتمر الخاص بالقرم، أو حتى حضور الاحتفالات الخاصة بالذكرى الثلاثين لاستقلال أوكرانيا، واكتفت بزيارة ليوم واحد،. ميركل المعروف عنها البراجماتية قررت هذه المرة الا تسكب الزيت على النار بين موسكو وكييف، فتبدو وكأنها فضلت كييف عن موسكو فى شئ.

من جانبه أشار الرئيس الأوكرانى عن أن تمديد عقد مرور الغاز الروسى لما بعد عام 2024، يحمل طابعا عاما وغير ملزم، هذا فى الوقت الذى تطالب فيه كييف بتعويض رسمى عن ما يمكن أن تفقده أوكرانيا وتريد ضمانات محددة بذلك. كل ما حملته ميركل لأوكرانيا كان عبارة عن اتفاق بين واشنطن وبرلين حول ما يتعلق بالدفاع عن المصالح الأوكرانية بعد بدء تشغيل خط الأنابيب الروسى “السيل الشمالى ـ 2″، يأتى فى الوقت الذى تطالب فيه أوكرانيا بضمان حديدى، لأنه وفق رأى القيادة الأوكرانية خط الأنابيب الشمالى يدخل فى إطار الجيوبوليتيكا وليس الاقتصاد، حيث تستمد كييف أهميتها الجيوسياسية من وجود خط أنابيب يوصل الغاز لأوروبا عبر أراضيها، وهذا الخط مهدد بأن يفقد أهميته، وبالتالى ستفقد أوكرانيا أهميتها بالنسبة لدول أوروبا باعتبارها مركزا لعبور الغاز لروسى.
عدم رضاء أوكرانيا عن التصريحات الخاصة بالسيل الشمالى ـ 2 جعلها تنقل الأمر إلى وزراء الطاقة فى مؤتمر القرم، وأتصور أن هذا الأمر كان على رأس جدول أعمال لقاء زيلسينسكى مع الرئيس بايدن. الأمر جد خطير بالنسبة لأوكرانيا من الناحية الجيوسياسية، فروسيا تريد جعل أوكرانيا كدولة رغم موقعها الجيد، غير مغرية لضمها للاتحاد الأوروبى وحلف الناتو وهو غاية ما تصبو إليه روسيا، التى تعتبر أوكرانيا دولة غاية فى الأهمية بالنسبة لها من الناحية الجيوسياسية. أما ميركل التى أرهقت من خلال وجودها فى الحكم لمدة 15 عاماً فهى تفضل أن تترك هذه التركة الثقيلة لخليفتها ربما يكون لدية من القدرة على المواءمة وحل تلك المشاكل.

التعليقات متوقفه