فريدة النقاش تكتب:الاعتقال الإداري

306

قضية للمناقشة

الاعتقال الإداري

فريده النقاش

بدا كأن العرب قد استراحت ضمائرهم إزاء ما يجرى للفلسطينيين على أيدى الإحتلال الإسرائيلى وكان التنافس فى التعبير عن الغضب عنوانا لهذه الراحة، وبدا أيضا كأنما توافقت الغالبية على أن ماجرى حتى الآن هو حل مرض على حد تعبير السياسيين أى حل يجعل راحة الضمائر ممكنة.

تعرف كل القوى السياسية على الصعيد الدولى أن مايجرى فى فلسطين هو آخر إحتلال فى العالم فما من منطقة أخرى فى عالمنا هذا تعرف إحتلالا ومع ذلك يبدو أن العرب بل والفلسطينيين أنفسهم قد أخذوا يتعايشون مع هذه الحقيقية ويعتبرونها أمرا طبيعيا.

وقبل نصف القرن قال لنا المسرحى ” برتولد بريخت ” لاتقولوا إن هذا شئ طبيعى لأن الشئ الطبيعى يصعب تغييره.

وفى هذه المرحلة أى ستينات وسبعينات القرن الماضى كان موضوع الإلتزام السياسى شاغلا حقيقيا للكتاب والفنانين, وجرى ما يشابه المباراة بين الجميع فى هذة الفترة التى عرفناها بزمن إزدهار المسرح للتعبير عن هذا الإلتزام بأساليب فنية مبتكرة مستلهمين إنجازات المسرح السياسى على الصعيد العالمى, إذ كانت حقبة التحرر الوطنى فيما سمى بلدان العالم الثالث فى أوج إزدهارها , وهو الإزدهار الذى تواكبت معه حركة فنية وأدبية واسعة إتسمت بتجديد الرؤى والأدوات والأساليب . وإتسعت فى ظلها آفاق الحركة المسرحية فنشأ مؤلفون ومخرجون وممثلون جدد ملأوا الساحة , ودفعوا بالأجيال القديمة إلى تجديد نفسها وأدواتها.

وأدرك المسرحيون كتابا ومخرجين وممثلين أننا أمام مرحلة جديدة كان الجميع يتطلعون إلى المستقبل بأمل كبير, ويرون فى إزدهار المسرح علامة مفرحة لأن حالة ثقافية جديدة تتخلق تعبيرا على التغيرات الجديدة فى المجتمع وفى السياسة على نحو خاص, وما كان ينقصها إلا توسيع قاعدة الحريات .

وظل توفيق الحكيم – وهو المسرحى المبدع قبل كل شئ آخر يلعب دور زرقاء اليمامة فى إستشراق ماهو قادم فى ظل تغيرات سياسية ومجتمعية وحتى دولية عاصفة , وكتب مسرحا جديدا تمام فاتحا الباب واسعا أمام الأجيال الجديدة.

وفى ظنى أن نقادا قد تسرعوا فى وصف ما أحدثة الحكيم فى توجهات المسرح بأنه تقليد لما يحدث فى الغرب .

وهو ما لم يكن تقليدا دون أن ننفى تأثره وإنما كان إستجابة فى الأساس لقلق عارم كان يعصف بالحياة الإجتماعية والسياسية جراء التغيير الذى يجرى, وكأنما هناك تحويل عمدى لمجرى النهر على غرار ما حدث فى بناء السد العالى .

وأعود وأذكر هنا بما سبق قوله حول توجه الرئيس أنور السادات لا لمجرد إجراء تغيير فى السياسات الناصرية التى ثابرت على انتقاد الاستعمار وتحميله المسئولية الرئيسية عن تأخر مشروع التقدم الذى حلم به المصريون , وإنما كان لدى السادات مشروع جديد كلية , مشروع يقف على الضفة الأخرى من النهر.

وتداول المصريون قولا منسوبا للسادات يعبر فيه عن السأم من إتهام الإستعمار وإنتقاده ومسئوليته عن ما حل بنا من تأخير ومع ذلك ما كان  من الغرب إلا ان خذله حتى بعد أن ركب طائرته وذهب إلى إسرئيل ليكون أول إعتراف عربى بالكيان الغاصب .

وكانت ردود أفعال الكتاب والفنانين إزاء هذا التغيير العاصف متباينة ولكن مبدعة فى كل الحالات , ولأن المسرح كان شأنة شأن السيسموجراف الذى يقيس الزلازل عرف المسرح فى هذه المرحلة صورا عاصفة من التغيرات سواء فى الكتابة أو فى الإخراج والأداء . وكان الفنان كرم مطاوع فى ذلك الحين قد عاد من بعثته إلى إيطاليا , فى الوقت الذى إنشغل فيه يوسف إدريس إنشغالا كبيرا بالأشكال الجديدة , وكتب نصوصا مبهرة فى هذا السياق شجعت المسرحيين والكتاب الجدد منهم بخاصة على الدخول إلى مناطق غير مأهولة فى التجربة المسرحية وشجعتهم على ذلك مسارح الدولة المفتوحة لكل تجربة جديدة , ولكل مبدع موهوب وكان أن دخل القطاع الخاص فى المنافسة محاطا ببعض شكوك النقاد فى مدي جديته.

نعرف جيدا أن الزمن لايعود أبدا للوراء وأنه منذ زمن إزدهار المسرح جرت مياه كثيرة فى كل الأنهار.

وأذكر أنه عندما كانت تحتدم المناقشات بين المسرحيين والنقاد فى الستينات والسبعينات كانت تنطلق بسرعة الدعوة لعقد مؤتمر يناقش كل قضايا المسرح ويضع التوصيات الضرورية وكنا جميعا كتابا ونقادا وفنانين وفنيين ننخرط بكل جدية فى التحضير لمثل هذه المؤتمرات وكانت العقبة الكأداء كما يقول اللغويون أننا نصدر فى هذه المؤتمرات أعظم التوصيات , ويتبارى الجميع بمنتهى الإخلاص لبلورة هذه التوصيات.

ولكن وآه من لكن هذه كان يأتى زمن التنفيذ بالريح التى لا تشتهيها السفن , فيتغير حماس المسرحيين وينشغل كل بحاله وحياته وأقول أيضا إحباطاته.

ويعيد المسرحيون النظر فى أوضاعهم بين الحين والآخر وهم يبحثون عن مادة جديدة وطازجة لإبداعهم , وربما لن نجد الآن ما هو أكثر جدة وطزاجة من حملات الإعتقال الإدارى الدرامية التى تشنها سلطات الإحتلال ضد الفلسطينيين لتكون موضعا ملهما يستعيد عبره المسرحيون أمجاد المسرح السياسى بمداخل جديدة للقضية الفلسطينية .

التعليقات متوقفه