ماذا تريد واشنطن من موسكو؟..وضع روسيا الحالى يعيق انفراد الولايات المتحدة بالعالم

موسكو تقاوم الهيمنة الأمريكية.. والصين تنتظر

563

ربما تكون الأزمة الحالية بين روسيا والولايات المتحدة هى الأسوأ بل والأخطر على السلم العالمى منذ انتهاء الحرب الباردة، فقد وصلت العلاقة بين الدولتين إلى درجة من السخونة بعدما تم استدعاء السفير الروسى لدى واشنطن فى 20 مارس الماضى للتشاور. كان ذلك إثر وصف الرئيس الأمريكى لنظيره الروسى “بالقاتل” فى لقاء تليفزيونى. المتحدثة باسم الخارجية الروسية رفضت تحديد فترة زمنية لبقاء سفير بلاده فى موسكو قائلة “سيبقى بقدر ما تتطلب عملية التشاور” وأشارت ماريا زاخاروفا إلى إنها لا تتذكر مثل حالة الشحن والتوتر هذه فى العلاقات مثل ما يحدث الآن.

الجانب الروسى أكد أن الهدف من استدعاء السفير الروسى لدى واشنطن أناتولى أنطونوف هو مناقشة الأزمة بين موسكو وواشنطن على ضوء التطورات الأخيرة، مشيرة إلى أن التشاور الهدف منه مناقشة مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وكيفية إدارة العلاقات بين البلدين بعد المأزق الذى وصلت إليها.

الرئيس الأمريكى اتهم روسيا بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية، مؤكداً أن الرئيس بوتين سيدفع ثمن ذلك، محذراً إياه “كن مستعدا” يقصد لدفع الثمن، وفى 16 مارس نشرت المخابرات الأمريكية تقريراً اتهمت فيه كلا من روسيا وإيران! بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية 2020، لا أدرى على أى أساس فقد عانت إيران من أقسى عقوبات عليها منذ نشأة الجمهورية الإسلامية فى عهد ترمب، وروسيا أيضاً لم تشهد تدهورا فى العلاقات مع واشنطن إلا فى عهد الأخير.

قطع العلاقات

هذه التطورات تأتى فى وقت يخشى فيه الدبلوماسيون الروس من قطع العلاقات الدبلوماسية، مشيرين إلى أن التصريحات الأمريكية الأخيرة تدفع الأمور إلى المجهول، معتبرين أن التوجه غير البناء للإدارة الأمريكية، لا يحقق مصالح روسيا والولايات المتحدة، والتصريحات غير المسئولة من بعض المسئولين فى الإدارة الأمريكية تدفع العلاقات بين البلدين إلى مقصلة القطع، وهى الآن فى مرحلة مواجهة شرسة. غير أن أعضاء البعثات الدبلوماسية الروسية مهيئن للحوار مذكرين بأن البلدين من الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن والعلاقات الجيدة بينهما والتنسيق يعنى الكثير لحل مشاكل دولية عالقة.

تصعيد هنا ومحاولات تهدئة هناك، لكن وسط الضغوط على روسيا تحاول الإدارة الأمريكية فرض شروط على موسكو، على سبيل المثال، أشار ممثل الخارجية الأمريكية جالين بورتر إلى أن “واشنطن تدرك التحديات التى تواجهها روسيا” وقالت إن بلادها تدعم العلاقات مع روسيا، فى تلك الأمور التى تحقق المصالح الأمريكية، غير أنها ستدفع موسكو لتحمل مسئولية “أعمالها الشريرة” وفق مصادر أمريكية. فى نفس الوقت أشارت إلى أن واشنطن مهتمة بالتعاون مع موسكو عندما تكون هناك إمكانية لأن تصبح العلاقات بين البلدين بناءة، والتعاون يتماشى مع مصلحة البلدين، مثل ملف أفغانستان حيث توجه زلماى خليل زادة، ممثل واشنطن فى مباحثات السلام بأفغانستان إلى موسكو، للتشاور (بعد ذلك ادعت واشنطن أن موسكو قررت مكافآت لطالبان على قتل الجنود الأمريكيين).

خط مستقيم

فى الوقت ذاته أعلنت السكرتير الصحفى للبيت الأبيض جين بساكى، أن مدخل الرئيس جو بايدن فى العلاقات مع روسيا سيختلف عما كان عليه أثناء سلفه دونالد ترمب، وعلى حد قولها حدد الرئيس بايدن فى لقائه مع محطة تليفزيون أيه بى سى، عندما قال إن واشنطن تسير على خط مستقيم فيما يتعلق بالقضايا محط اهتمام الولايات المتحدة، فى نفس الوقت هناك مجالات للتعاون مع روسيا.

وفى الوقت الذى نشهد فيه موجات المد والجذر فى العلاقات فى الوقت الحالى أو ما يمكن أن نطلق عليه الحفاظ على شعرة معاوية فى العلاقات، ففى الوقت الذى أعلن فيها الرئيس بايدن عن حزمة عقوبات جديدة، منها فرض عقوبات على 16 منظمة وهيئة روسية و16 شخصا روسيا من رجال الأعمال المقربين من الرئيس بوتين وطرد 10 دبلوماسيين روس، ومنع البنوك الأمريكية من شراء صكوك الديون الروسية بعد 14 يونيو، إلا أنه فى نفس الوقت قال إنه من الممكن تخفيف التوتر الحالى إذا لم تتعارض المصالح الروسية مع المصالح الأمريكية ووعد ببحث عقوبات على بعض الشركات العاملة فى بناء خط أنابيب الغاز “السيل الشمالى ـ 2″، بل ومنع سفينتين حربيتين من دخول حوض البحر الأسود.

الإهانات الأمريكية

فى تقدير الخبراء لن تقبل روسيا بالإهانات الأمريكية، فقد أضافت الولايات المتحدة روسيا إلى الدول المحظور التعاون معها فى تجارة السلاح، وهى بذلك وضعتها مع دول مثل الصومال وليبيا وإيران والكونجو.. وغيرها ممن تسميهم واشنطن الدول المارقة، ولكن وعلى مزاج الولايات المتحدة تستثنى التعاون فى مجال الفضاء، وكيف بدون روسيا فى هذا المجال؟!.

على الجانب الروسى، اعتبرت موسكو تصريحات وتهديدات بايدن قمة “الهزل والخرف” حيث اعتبر أندريه تورتشاك نائب رئيس مجلس الفيدرالية التصريحات قمة “الخرف السياسى” واعتبر الأمر نتيجة عدم القدرة والعجز الأمريكى، أما نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الدوما (البرلمان الروسى) فقد توقع أن تكون إدارة بايدن أكثر عدوانية تجاه روسيا من سابقتها، وتوقع عقوبات جديدة تفرض على بلاده، ورجح البرلمانى أن يكون سبب فرض العقوبات هو أن روسيا تمثل تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة، وتوقع البرلمانى دميترى نوفيكوف أن مستوى العداوة ستزداد مع إعلان كل دولة أن الدولة الأخرى عدو، إلى متى؟! لا أحد يدرى، فروسيا دولة ترغب فى أن يعمل حسابها فى العالم، وترغب فى أن تحترم رغبتها أو على الأقل التشاور معها، فهى لا تقل من حيث الأهمية عن الولايات المتحدة.

على صعيد آخر، وبعد فرض العقوبات وتوعد روسيا بالرد عليها بالمثل، فإن الرئيس بايدن وفى خطوة غريبة أعلن عن فرض حالة طوارئ على الساحة الدولية لمواجهة ما وصفه بالنشاط الضار الذى من الممكن أن تقوم به روسيا رداً على العقوبات. لكن يبقى أن نقول هذه هى أزمة الولايات المتحدة الحقيقية، وهى أنه ورغم الإدعاء بأنها القوة المنفردة والمهيمنة فى العالم، إلا أنها لم تستطع فعل شيء مع كوريا الشمالية أو مع إيران أو حتى ملف أفغانستان رغم أن روسيا معنية كذلك بالسلام فى أفغانستان. وهنا لا نتحدث عن الملفات التى تنفرد بها روسيا دون غيرها مثل الملف الأوكرانى والملف السورى بالطبع، كل هذه الملفات عجزت الولايات المتحدة عن حل أى منها وليس أخرها الملفين اليمنى والليبى.

المواجهة مستمرة

المواجهة الآن مستمرة ويشتد أوارها، ولننتظر ماذا لدى موسكو لتقدمه رداً على العقوبات الأمريكية، وأعتقد أن لديها الكثير فلا خلاف على أنها ستطرد دبلوماسسبن أمريكيين بنفس العدد الذى طردته واشنطن، لكن ما يتعلق بالأمور الأخرى فإن روسيا لديها مثلاً أن تمنع تصدير بعض محركات الصواريخ، أو تعرقل صناعة الفضاء الأمريكية، لكن روسيا لحسن حظ الولايات المتحدة تقدم الأمور الإنسانية والبحث العلمى على المكايدة وفرض العقوبات ومحاولة فرض الهيمنة، وهى فى نفس الوقت تدرك أنها لابد لها من الاتفاق مع موسكو فى الملف الإيرانى والسورى والأوكرانى على الأقل حيث التأثير الروسى سواء رضيت واشنطن أو رفضت هو الأقوى.هناك مقولة معروفة فى الأمثال الروسية تقول عندما تتشاجر الأسود ليس أمام القرود سوى صعود الشجرة وانتظار نتيجة الصراع، أنا هنا أتحدث عن الصين والهند وقوى أخرى منها الاتحاد الأوروبى رغم أن الأوروبيين يؤيدون واشنطن، بتردد خوفاً من الدب الروسى المجاور لهم.

رد الدب الروسى

رد الدب الروسى على العقوبات الأمريكية لم ينتظر كثيراً وفى تقديرى كان أكثر عنفاً، فقد دعا وزير الخارجية الروسى لافروف السفير الأمريكى لدى موسكو لمغادرتها، وبالطبع تم طرد 10 دبلوماسيين أمريكيين وإغلاق عدد من المنظمات والصناديق غير الربحية الأمريكية باعتبارها تتدخل فى الشأن الداخلى الروسى، وأشار الوزير لافروف إلى أنه سيمنع المواطنين الروس والمواطنين من دول أخرى المقيمين فى موسكو من العمل فى المنظمات والبعثات الأمريكية بموسكو، ولم يفوِّت وزير الخارجية الروسى الفرصة ليعلن أن بلاده مازال فى جعبتها الكثير من أوراق العقوبات إلا أنها تدخرها لفرصة أخرى، فى نفس الوقت لم يوصد الوزير لافروف الباب نهائياً بل تركه موارباً عندما وصف دعوة بايدن للقاء بوتين فى بلد ثالث بالإيجابية وأن موسكو تدرسها. لننتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة، لكن لا شك أن هناك نوايا أوروبية وأمريكية بل ولا أبالغ إن قلت وروسية لتصفية ملف ظل عالقاً منذ عام 2014، وهو الملف الأوكرانى.

 

التعليقات متوقفه