د. جودة عبدالخالق يكتب:هل أمريكا شريك إستراتيجى لمصر؟

1٬218

لقطات

هل أمريكا شريك إستراتيجى لمصر؟

*د.جودة عبد الخالق

فى مثل هذه الأيام منذ نصف قرن، تم بالفعل افتتاح مشروع السد العالى. ذلك المشروع الذى راود المصريين لسنوات وسنوات. نعيش ذكرى اليوبيل الذهبى لإتمام مشروع السد العالى. فمعلوم أن العمل اكتمل في المشروع في 15 يوليو 1970، وتم افتتاحه رسميا في 15 يناير1971. إنه بالفعل وبلا مبالغة أكبر المشروعات القومية لمصر على الاطلاق؛ ليس بمعيار الأموال التي صرفت عليه ولكن بمعيار آثاره التي طالت مختلف نواحى الحياة. وهو أيضا واحد من أعظم مشروعات سدود الأنهار على مستوى العالم خلال القرن العشرين. لذلك نعتبره أيقونة الاستثمار التنموى في مصر بلا منازع. وبدلا من الحديث عن فوائد السد العالى، وما أكثرها، يكفى أن نتساءل: ماذا لو لم يكن السد العالى؟

في سبيل تحقيق حلم السد العالى، دخلنا معارك دبلوماسية مع القوى الكبرى وتعرضنا لعدوان عسكرى ثلاثى شنته علينا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وتعرضنا لحصار اقتصادى وتجميد أرصدتنا الاسترلينية بواسطة الحكومة البريطانية.  لكن ما قامت وتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية للاضرار بمصالح مصر أكبر وأخطر.  فقد شنت علينا حربا تجارية بإغراق السوق العالمية بالقطن الأمريكي لخفض سعر القطن وخنق اقتصادنا وإثبات أنه غير قادر على تحمل أعباء تنفيذ مشروع بحجم مشروع السد العالى.  و لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بالإيعاز للبنك الدولى والحكومة البريطانية بسحب عرضهما للمساهمة في تمويل مشروع السد العالـى، بل انها  تآمرت علينا وسعت إلى الإيعاز سرا إلى كل من إثيوبيا والسودان لمعارضة المشروع وإثارة المشاكل والاعتراض عليه في المحافل الدولية.

إن الموقف الأمريكي الحقيقى من مشروع السد العالى يحتاج إلى دراسة مستفيضة وإعادة قراءة في ضوء الوثائق الأمريكية السرية المتصلة بالمشروع خلال الخمسينيات من القرن الماضى. هذه الوثائق قد فُضت عنها السرية بالفعل بموجب قانون حرية المعلومات (FOIA). وعندما كنت أستاذا زائرا في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن العاصمة (والتابعة لجامعة جونز هوبكنز) في العام الجامعى 1988/89 قمت بالاطلاع على تلك الوثائق في أضابير قسم دار الوثائق القومية (National Archives)  في مكتبة الكونجرس. وأود أن أشير بالتحديد إلى البرقية المرسلة من السفير الأمريكى في أديس أبابا إلى وزارة الخارجية في واشنطن (البرقية رقم 374 بتاريخ 29 مايو 1956 الساعة 11 ص).

هذه البرقية تتضمن تحريضا مباشرا، وإن كان مغلفا بلغة تآمرية. فقد جاء فيها (فقرة 3) بالحرف الواحد: “إذا كان نجاح الخطة المقدمة في برقيتنا يتوقف على عدم اسنادها إلينا … وإذا بادرت الخرطوم وأديس أبابا بالتصريح (الذى نقترحه طبقا لخطتنا بأن مشروعات مياه النيل يجب أن تناقشها كل دول الحوض) ثم بعده تكون “موافقتنا”، فلن يشك أحد في المنطقة في أننا قد دبرنا العملية برُمَّتِها.” وقد تساهم البرقية في استنتاج ما تقوم به أمريكا حاليا من وراء ستار لتشجيع اثيوبيا على التشدد في مفاوضات سد النهضة. أن أمريكا بتحريضها اثيوبيا وبانحيازها لإسرائيل وتشجيعها لتركيا وجماعة الاخوان أنما تضغط على مصر من كافة الاتجاهات الاستراتيجيةـ بل ومن الداخل أيضا. فما معنى الحديث عما يسمى “الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأمريكا”؟

 

التعليقات متوقفه