فيلم السهرة..

يسر جريدة الأهالي أن تقدم لقرائها صفحة إبداعات تواكب الحركة الأدبية المعاصرة في مصر و العالم العربي و الترجمات العالمية ..وترحب بأعمال المبدعين و المفكرين لإثراء المشهد الأدبي و الانفتاح على تجاربهم الابداعية..يشرف على الصفحة الكاتبة و الشاعرة/ أمل جمال . تستقبل الجريدة الأعمال الابداعية على الايميل التالي: Ahalylitrature@Gmail.Com

190

ياسر جمعة
يرسم طفل الفيلم، في كرَّاسته المهترئة، نافذةً، وأمام عينيه المندهشة تصير نافذةً، يبتسم، يرى من خلالها حديقةً متنوِّعة الزهور والأشجار، فيها طيورٌ كثيرةٌ وحيواناتٌ، تتوهَّج ملامحه الصغيرة بالفرحة والنور، فيركض إلى غرفة أمه المريضة، التي كنت قد رأيتها في المشهد السابق، حيث الإضاءة الخافتة، في فِراشها، شاحبةً وجافَّة العينين والشفَتين.
“ماما”.
يقولها الطفل الراكض في ذات اللحظة التي ينطلق فيها رنين هاتفي المحمول، إنه صديقي القديم، الذي فاجأني بأنه ما زال يتذكر رقمي، والذي يحدِّثُني في مثل هذا الوقت، تقريبًا، منذ أسبوع، ليخبرني كيف صار الحال غير الحال، وكم هو يفتقد أيامنا القديمة، فأجاريه في حنينه، دون أن أسمح لنفسي أن أذكره بخلافاتنا العديدة.
لا يبدأ حديثة اليوم بالتحية، يقول مباشرةً: “أنا كسرت الحظر وخرجت”.
ويحكي لي، باكيًا، أنه منذ ساعةٍ يجوب الشوارع الخالية حيث كان سعيدًا، في بداية الأمر، غير أنه شعر فجأةً بالوحشة الشديدة.
أُخفض صوت الفيلم متمنيًا أن ترى الأم حديقة صغيرها.
“أنا خايف يا ياسر”.
يقولها صديقي منهارًا، فيعيدني إلى كل الأخبار المفجعة، التي كنت قد قررتُ، في أول المساء، ألا أتابعها، أهمهم بما لا أعي
فيواصل: “أشعر أني نسيت الطريق إلى منزلي”.
يدخل الطفل غرفة أمه المظلمة وتتجمد ملامحه.
“الشوارع غريبةٌ يا ياسر، غريبةٌ جدًا ومخيفةٌ”.
تختفي من ملامح الطفل المتناسقة فرحته وتترقرق في عينيه الجاحظة دمعةٌ صغيرةٌ.
“أشعر أني في كابوسٍ”.
تتسارع نبضات قلبي وأختنق، فلا أريد أن أعرف ماذا حدث لأم الصغير في الفيلم، ولا أريد أن يكون بكاء صديقي في الهاتف حقيقيًا، لا أريد شيء، لا أريد سوى الهواء…
“آسف”.
يقولها صديقي وأنا في طريقي إلى الشرفة.
“سأغلق الآن، هناك سيارة شرطة تقترب”.
ولا يسمعني وأنا أقول له ألا يخاف ولا يهرب”فقط اطلبْ منهم أن يقوموا بتوصيلك إلى منزلك” فأبدو أني أتحدَّث مع الليل بصوتٍ عالٍ.

 

التعليقات متوقفه